للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تجربة خاصة]

فعندما نريد أن نقدر جمال لوحة مرسومة لا ينبغي أن نحصر نظرتنا في جزء ضيق منها حيث لا نجد إلا ألوانا متنوعة تتجاور أو تتنافر أحيانا، بل يجب أن نرجع قليلا إلى الوراء، ليتسع مجال الرؤية وتحيط‍ بالكل في نظرة شاملة، تستطيع وحدها أن تلاحظ‍ التناسق بين الأجزاء والتوافق في التركيب. فبمثل هذه النظرة ينبغي دراسة كل سورة من سور القرآن الكريم لنقدر أبعادها الحقيقية. ولقد قمنا في الماضي أثناء تدريسنا بجامعة الأزهر - بتطبيق هذه القاعدة في دراسة لاحدى السور المدنية (هي سورة البقرة) ولسورتين مكيتين (هما سورتي يونس وهود) ولم يكن اختيارنا لهذه السور عن قصد، وإنما كانت كلها مقررة في البرنامج الدراسي. فالواقع أننا وجدنا أكثر مما كنا نتطلب من بحثنا. فقد كنا نبحث عما إذا كان هناك نوعا من الترابط‍ في الأفكار التي تتناولها السورة الواحدة، ولقد وضح لنا بما أثار دهشتنا أن هناك تخطيطا حقيقيا واضحا ومحددا يتكون من ديباجة وموضوع وخاتمة. فتوضح الآيات الافتتاحية الأولى من السورة الموضوع الذي ستعالجه في خطوطه الرئيسية ثم يتبع ذلك التدرج في عرض الموضوع بنظام لا يتداخل فيه جزء مع جزء آخر، وإنما يحتل كل جزء المكان المناسب له في جملة السورة، وأخيرا تأتي الخاتمة التي تقابل الديباجة.

[هذه الوحدة من العجائب نظرا للظروف التي تتم فيها وتجعلها مستحيلة بالنسبة للقوى البشرية]

فإذا أخذنا في اعتبارنا التواريخ التي لا حصر لها والتفتيت المتناهي في نزول الآيات. ولاحظنا أن هذا الوحي كان بوجه عام مرتبطا بظروف ومناسبات خاصة، فإن ذلك يدعونا إلى التساؤل عن الوقت الذي تمت فيه عملية تنظيم كل سورة على شكل وحدة مستقلة. وهذا التساؤل يضعنا أمام نقطة محيرة. فسواء افترضنا أن هذا الترتيب كان قبل أو بعد إكتمال نزول القرآن، فقد كان ينبغي أن يتبع، إما الترتيب التاريخى للنزول، وإما الترتيب المنطقي البسيط‍ المبني على تجانس

<<  <   >  >>