للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضع الحجر الأسود في مكانه. فلم يرض أحد عن التنازل عن حقه في رفع الحجر ولم يستطع أحد أن يمنع تفاقم النزاع. ومع ذلك وقبل الالتجاء إلى السلاح عقد اجتماع أخير تقرر فيه الاحتكام في هذا الموضوع إلى أول شخص يدخل الرحاب المقدسة للكعبة من باب بني شيبة.

ولقد شاءت الأقدار أن يكون هذا الشخص هو محمد صلّى الله عليه وسلم. فلما رآه الناس يدخل صاحوا «الأمين ... الأمين» ولم يخب أملهم في انتظار الحل العادل. فقد أسرع محمد صلّى الله عليه وسلم - في بديهته اليقظة ونزاهته المعهودة - بأن بسط‍ رداءه على الأرض ووضع بيديه الحجر الأسود وسط‍ الثياب ثم طلب إلى رؤساء القبائل أن يمسك كل منهم بطرف الثوب وأن يرفعوه معا إلى المستوى المطلوب. وعندما وصلوا بالحجر إلى المكان المخصص له أخذ محمد صلّى الله عليه وسلم الحجر بنفسه ووضعه مكانه، فساد الرضا بين جموع الحاضرين واستتب السلام بين القبائل.

[صورته الخلقية والخلقية]

وفي هذه السن كان محمد صلّى الله عليه وسلم قد اكتمل جسمه وعقله وخلقه وظل هذا الكمال ملازما له حتى نهاية حياته. ولقد كانت قامته أكثر قليلا من المتوسط‍ وكان قوي البنية عريض الصدر والأكتاف كبير الرأس عريض الجبين الذي تعلوه السكينة، فمه واسع وأسنانه بيضاء منفصلة قليلا ولحيته غزيرة وشعره أسود مجعد يسقط‍ إلى ما تحت أذنيه؛ كان أسود العينين وبالقرنية شعيرات حمراء وبشرته بيضاء تميل إلى اللون الوردي، كانت مشيته خفيفة مهيبة كأنه ينحدر من جبل؛ ملبسه بسيط‍ ونظيف ومرتب، زهده نادر ولكنه لا يرفض الطعام الطيب إذا سنحت لذلك فرصة تلقائية، صبور في احتمال الآلام والتعب من غير أن يقصدها؛ قليل الحديث ولكن هذا الإقلال لا ينقص من طلاوة حديثه ولا من إحساسه بالمرح البريء، وعندما صار رئيسا وحيدا للدولة لم تغره خيرات الدنيا ومتعها؛ فقد أبعد عن أهله وعن نفسه عن اقتناع كل أنواع الترف مهما كانت وعارضته زوجاته معارضة صريحة عندما رفض إجابة بعض مطالبهن المادية راغبات

<<  <   >  >>