للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يهدي شعب بني إسرائيل، وبوجه عام جميع الأمم التي تلقت دينا سماويا. وهو مكلف بأن يبلغهم الحقيقة في منازعاتهم وخلافاتهم (١)، وعندما يصدر حكمه لا يجامل فيه هؤلاء ولا أولئك (٢) إنه يسير في خطوات ثابتة وراسخة، فيفصل في الأمور ويعلن الحقيقة.

وفي هذا الموقف المنطلق المتسم بالحزم، لا نرى أي أثر لذلك الشعور بالقلة الذي يتصف به الشخص حين يجمع شتات علمه ذات اليمين وذات الشمال، ولا نشعر ببرود الذكاء المدبر الذي يمكنه أن يرفض اليوم ما سبق أن أعلنه بالأمس، أو يهدم في الغد ما يبنيه اليوم. فوراء هذه الدفعة الصلبة نكتشف بسهولة قوة عظيمة ليست قوة هذا الإنسان. ولهذا نراه أمام قوى العالم، وفي المواقف الحرجة من حياته، يتمتع بروح لا تضطرب، وبإيمان لا يتزعزع في معية الله وعونه (٣). ولهذا نراه أيضا يعرض نفسه وأهله عن طيب خاطر لأخطار المباهلة (٤) (،٥)، بينما يتراجع المترددون المتشككون.

اعتراف العلماء المسيحيين عن الإخلاص الشخصي للنبي صلّى الله عليه وسلم:

وأمام هذه الأدلة الكثيرة القاطعة اتفق في الوقت الحاضر كثير من الكتاب المسيحيين (٦) الذين يبحثون عن الحقيقة في نزاهة على أن النبي العربي صلّى الله عليه وسلم يتمتع بإخلاص وصدق نفسي يؤهلانه لأن يكون ذا قوة بالغة في التأثير والإقناع.

[هل هي أوهام لا شعورية؟]

إلا أنه لا يترتب بالضرورة على تقرير هذا الإخلاص النفسي اعتبار الوحي من


(١) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: ٦٤] إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل: ٧٦].
(٢) وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ [الشورى: ١٥].
(٣) إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا [التوبة: ٤٠].
(٤) ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (آل عمران ٦١).
(٥) انظر «المباهلة» تأليف ماسنيون ص ١١.
(٦) ومنهم أندرا وج. سان هيلير وكارليل وجولد سيهر وماسنيون ونلديكه تربين ... الخ.

<<  <   >  >>