للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ما مدى صحة القراءات غير العثمانية]

ونضيف أن هذا الاستبعاد عن النص المدون لم يكن الغرض منه - كما يبدو - ولا من نتائجه، إلغاء القراءات الشفوية إذ بوضع الأمور على هذا النحو في نصابها، ترك الباب مفتوحا لكل من كان يؤكد أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ بقراءة معينة لكي يقرأ بقراءاته الخاصة بحرية تامة وتحت كامل مسؤوليته الأدبية ومن غير أن يلزم جماعة المسلمين كلها بما يؤكد سماعه. وهذا الموقف المعقول والعادل يتضح بجلاء أولا من رد عثمان نفسه على المتمردين: إذ قال: أما القرآن فلم أمنعكم إلا لأني خشيت عليكم الفرقة ويمكنكم أن تقرأوا بالحرف الذي يتيسر لكم (١) ثم جاءت فتوى مالك فيما بعد، سمح بموجبها قراءة «فامضوا» في الآية ٩ من سورة الجمعة (٢) ... طبقا لقراءة عمر بدلا من «فَاسْعَوْا» إلا في صلاة الفرض، كما يقرر ابن عبد البر، لأن القراءات غير العثمانية ليست قرآنا صحيحا يصلح للصلاة (٣).

[تفنيد حجة الدكتور جيفري]

وفيما عدا القراءة العثمانية وأي إدخال على النص العثماني، يبقي لكل استعمال آخر مطلق الحرية ولم يتوقف المتفقهون في علوم الدين، في كل زمان، عن الاهتمام بدراسة هذه القراءات الفردية، إلا أن الدكتور أرتير جيفري مؤلف «كتاب المصاحف» لم يدرك بوضوح هذه المسألة المزدوجة فلم يكن الإهتمام بمثل هذه البحوث جديدا في العالم الإسلامي (كما زعم في المقدمة ص ١). والشاهد على ذلك عدد المراجع العربية التي يستخدمها هو نفسه في هذا الموضوع.

فالمؤلفات العربية فى العلوم الإملائية والصوتية والقراءات القرآنية فضلا عن التفاسير والمؤلفات اللغوية والبلاغية ومؤلفات المحدثين والفقهاء لا حصر لها. ومن جهة أخرى فإن هذه القراءات الفردية - وهي بعيدة عن أن يقع عليها «ضغط‍ من


(١) ابن أبي داود - كتاب المصاحف ص ٣٦.
(٢) انظر الزنجاني في المرجع السابق.
(٣) انظر التبيان للطاهر ص ٣٩ - ٤٠ ويقرر إبن أبي داود نفس الرأي (كتاب المصاحف ص ٥٤).

<<  <   >  >>