للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتاريخية بعضها ببعض. والحل السوي إذن هو الذي يحدد لكل حقيقة من الحقائق المسلم بها مداها ومرماها. فلا نجرد الإنسان والعالم من أية قدرة ذاتية مستقلة. ولا نصفه بالعجز المطلق، وهذا هو الوسط‍ المعقول الذي يبدو أن القرآن يدعونا إلى الوقوف عنده، فالظواهر التي تتكرر دائما في تسلسلها ونظامها الرتيب، تمنحنا الحق في افتراض استمرارها في المستقبل بنفس الدقة ونفس النظام، إذ لا غنى للحياة عن الإعتقاد في نظام ثابت للطبيعة. ولكن هذا الثبات لا يرجع إلى جوهر الأشياء بعيدا عن القدرة التي تدبرها وتنسقها، لأن وجود هذه الظواهر ودوامها وقوتها وثباتها خاضع خضوعا مطلقا للإرادة الإلهية. فالتفسير الديني للكون بعيدا عن أن يوصف بالكسل الذهني - يتخطى الإدراك العلمي ويسمو عليه لأنه يوافق الفكرة العلمية ويحتويها بل ويتجاوزها إلى ما لا نهاية. فعندما يقف العلم عند تقدير وملاحظة الأسباب المتتالية ومراحلها الوسيطة. فإن النظرة الميتافيزيقية لا تقف عند هذا الحد ولا تجد رضاها وإشباعها إلا بالصعود إلى بداية البدايات التي تفسر كل شيء ولا يستطيع شيء أن يفسرها تفسيرا كاملا.

فالمتناهي يحتل ركنا صغيرا من اللامتناهي. فلا ننبهر فوق الحد إذن عند رؤية العمل الإنساني أو ظواهر الطبيعة مهما كانت عظمتها، والسلطان الذي يتصرف بموجبه أي صانع للمعجزات - وهو سلطان محدود بالزمان والمكان وبما يحدثه من أثر - لا يعدو أن يكون سلطانا معارا وعرضة لأن يسحب من جانب الذي أعاره {لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ} (١) {وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} (٢).

[فكرة المعجزات في القرآن]

ولم يفهم القرآن كما ينبغي عندما أسيء تفسير رفض الرسول صلى الله عليه وسلم الصريح أن يكون بمثابة صانع للمعجزات. وقد يلمّح من هذه النقطة بأنه لم يقدم الدلائل الكافية عن ربانية دعوته. فهل فرض على الناس الإيمان بدعوته بطريقة تعسفية


(١) [الكهف: ٣٩].
(٢) [الفاتحة: ٤].

<<  <   >  >>