للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الجزء الثاني من نظرية القرآن الدينية]

فبفكرة كمال الله المطلق وصفاته المطلقة، أسس القرآن الشطر الأول من النظرية الدينية العامة: وهي أنه لا شيء في الوجود يستحق العبادة والخضوع سوى الله الواحد القهار، وبنفس الفكرة يؤسس القرآن أيضا الشطر الثاني من هذه النظرية:

وهي الإيمان بالحياة الأخروية. فكما أن الله هو الأول فهو أيضا الآخر (١) إذ إليه مآلنا (٢) لنقدم له أعمالنا ونتلقى منه الجزاء الذي نستحق (٣).

[خلود الروح]

وهنا يجب التمييز بين نقطتين: الأولى خلود الروح، والثانية بعث الجسد.

ولا نعتقد أن الدعوة الإسلامية قابلت معارضة تذكر بشأن النقطة الأولى:

فالقرآن الذي يسجل بكل أمانة تفاصيل المعارضة التي أبداها خصوم المسلمين في كل موضوع، لم يذكر شيئا بشأن هذه النقطة بالذات. وهناك من الأسباب ما يجعلنا نفترض وجود فكرة مبهمة - وإن كانت خيالية - عند العرب الوثنيين عن حياة الروح بعد الموت. فالشعر الجاهلي يوضح لنا في الواقع أن تعطشهم إلى الأخذ بالثأر جعلهم يؤمنون بكائن خرافي يسمونه «الهامة» وهي ظل للروح، وكانت الهامة تحوم ليلا فوق جسد القتيل وهي تقول «اسقوني». فإذا اقتص من القاتل، امتنعت عن الظهور وعن ترديد مطلبها. ولقد نفت السنة هذا المعتقد الجاهلي «لا هامة» وحكمت ببطلانه

[بعث الأجساد]

وأما النقطة الثانية - وهي الخاصة ببعث الجسد - فقد ركز عليها المشركون معارضتهم وسخريتهم. فهذه العقول المرتابة والمرتبطة بتجاربها اليومية، لم تستطع بسهولة أن تؤمن بأن الجسم الذي تحلل تماما في التراب يمكن أن يستعيد هيئته


(١) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ [الحديد: ٣].
(٢) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: ٢٨].
(٣) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة: ٢٨١].

<<  <   >  >>