للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يوجد في ضواحي مكة بعض أفراد من المغامرين الرومان، أو الزنوج الأحباش «بائعون للنبيذ»، أو «كادحون» يقطنون «الأحياء المنزوية» (١). ويقال أيضا «أن الإنجيل درس في الحانات لعقليات خام» (٢). فهل كان التقاء محمد صلّى الله عليه وسلم بالأفكار الدينية في هذه الأماكن؟ أنهم يتركوننا في الغموض والإبهام ولا يقدمون لنا وثيقة واحدة عن علاقات فعلية لمحمد صلى الله عليه وسلم من هذا النوع. وفي مواجهة هذا الغموض فإن لدينا عديدا من الأسباب تحول دون أن نأخذ مأخذ الجد إمكان وجود مثل هذه العلاقات بل حدوث تأثيرها:

رحلات الرسول صلّى الله عليه وسلم ومشاهداته (فرضان لا يعول عليهما):

ففي المقام الأول نجد أن شواغل الرسول صلّى الله عليه وسلم قبل بعثته كانت معروفة ومحددة.

إذ يقدم لنا التاريخ الثابت المؤكد هذه الشخصية وهي تتحرك على التوالي في أماكن ثلاثة: إما في الخلاء يرعى الأغنام، وإما في التجارة مسافرا مع القوافل وإما في المجتمع العام مع رؤساء القبائل. فلا خلقه ولا مولده ولا مشاغله. تجعلنا نتصوره يتردد على هذه البيئة الهابطة.

أما السبب الثاني فهو أنه لم يكن لهذه العلاقة أية جدوى. فهؤلاء المطمورون لم يكونوا يجهلون دينهم (٣) فحسب ولكن بصفة خاصة - وهنا تتركز حجة القرآن - كانت لغتهم الأجنبية حاجزا طبيعيا أمام النبي صلّى الله عليه وسلم (٤).

وأخيرا إذا كان هذا المصدر صالحا بالفعل للأخذ عنه، ألم يكن طبيعيا وفي متناول معارضيه أن يلجأوا اليه ويحطموا به طموح محمد صلّى الله عليه وسلم بدلا من أن يكلفوا أنفسهم عناء السفر إلى المدينة بحثا عن أسلحة علمية يوجهونها ضده كما سنرى؟


(١) انظر قانون الإسلام تأليف ماسيه ص ٢١.
(٢) انظر مقال هوارت السابق ص ١٣١.
(٣) انظر لامنز «الإسلام» ص ٢٨.
(٤) لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل: ١٠٣].

<<  <   >  >>