للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثاني كيف جمع نصّ التنزيل الحكيم

يقع القرآن الذي بين أيدينا اليوم في مجلد واحد. ويتكون في طبعته العادية من حوالي خمسمائة صفحة (بكل منها ١٥ سطرا) وينقسم إلى ١١٤ سورة مختلفة الأطوال. فبعد الفاتحة المكونة من خمسة سطور تتدرج السور في ترتيبها بوجه عام (١) حسب طولها، فالسور الطويلة في البداية (٢) ثم المتوسطة ثم القصيرة (وبعضها لا يتعدي السطر الواحد). وتكثر علامات التشكيل والعلامات الصوتية والإملائية وعلامات الوقف لترشد القارئ في نطقه ووقفاته.

[مظهر التجزؤ من الأهمية التي كان يثيرها كل جزء منزل بين الخصوم وبين الأتباع]

ولم يكن القرآن على هذه الهيئة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن كان النص مطابقا تماما لما أملاه الرسول صلى الله عليه وسلم لكتبة الوحي، فإن الشكل الخارجي قد طرأ عليه تغيير كبير. إذ لم يكن هناك ما تطلق عليه كتابا أو مجلدا. وكما اتضح لنا من الأمثلة التي أوردناها في الفصل السابق، فقد نزل القرآن أجزاءا متفرقة تتباين أطوالها من سورة كاملة إلى آية واحدة وأحيانا إلى جزء من الآية. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو كل جزء ينزل عليه ويعلمه للسامعين ليصل عن طريقهم إلى من لم يسمعه من فم الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة. وكان الناس جميعا ينتظرون الوحي بشغف، ويتمنون أن يتلقوه فور نزوله. كما أن أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم أنفسهم الذين لم يكونوا يهملون


(١) الواقع أن هذا الترتيب غير متبع بدقة إذ توجد استثناءات كثيرة فيفهم من ذلك أن هناك حكمة أبعد اقتضت هذا الترتيب.
(٢) ولهذا تجدسورة البقرة وهي السورة الثانية - الأولى بعد الفاتحة أكبر سور القرآن على الإطلاق وتبلغ أربعين صفحة.

<<  <   >  >>