للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٢ أو ١٣ من ربيع الأول عام ١١ هجرية (٧ أو ٨ يونيو ٦٣٢ ميلادية) بعد أن بلغ من العمر ثلاثة وستين عاما قمريا بالكامل أي أكثر قليلا من واحد وستين عاما شمسيا (١).

ولا شك أن من الأمور الطريفة حقا متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في نشاطه الدؤوب وفي رسالته الهادية طوال العشرين سنة والتي نتج عنها ثورة من أكبر الثورات الحضارية التي عرفتها البشرية. ولكن لما كان الهدف الرئيسي من هذا الكتاب هو دراسة تحليلية للبناء القرآني ذاته ونظرا لأننا قد تناولنا بالدراسة حياة محمد صلى الله عليه وسلم حتى بلغنا نقطة التقاء الرسول صلى الله عليه وسلم برسالته، نستطيع الآن أن نتناول بالبحث الكتاب الذي تركه لنا، وسوف نتناول في الفصل التالي كيفية تكوين هذا الكتاب الكريم وتنظيمه وحفظه وتناقله عبر التاريخ.

***


(١) في مقال بعنوان «عمر محمد صلى الله عليه وسلم» (بالجريدة Journal Asiatique عدد مارس/إبريل ١٩١١) حاول H.Lammens أن يخفض سن النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنوات دون أن يأتي على ذلك بدليل قوي فقد بدا له أنه خارق للعادة أن يتوفر لرجل تجاوز الخمسين من عمره من النشاط‍ والقوة ما يلزمه ليخلق لنفسه وضعا جديدا في الحياة. فرغم اعتراف الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه «ولدت في زمن الملك العادل كسرى» «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده» ورغم شهادة الصحابة الصحيحة: معاوية وابن عباس وعائشة ... ورغم الوقائع التاريخية المتفقة مع المراجع الأوروبية والفارسية والعبرية المختلفة يحلو لهذا الكاتب أن يعارض ذلك كله ببعض المعلومات المستقاة من كتاب مجهول مؤلفه وبعض الروايات المشبوهة والمتناقضة فيما بينها
ويحاول أن يضع بعض علامات الاستفهام ليس فقط‍ عن سن الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما عن حياته برمتها وكل ما يتعلق بها. فيدعي أن التواريخ والوقائع والشخصيات وكل ما ورد في الأثر الصحيح مشكوك فيها ومسوقة بتقدير سابق وبتلفيق في التفسيرات والنصوص وموفقة بطريقة مقصودة وإن علم الاستشراق ذاته يكون قد ضل في طريق خاطئ بفعل المؤرخين العرب. هل يكترث العلم بمثل هذه المشاركة السلبية أو الهدامة على الوجه الأرجح؟ ولا يكمن الخطر في لهجة الكاتب الساخرة فحسب، حيث تغمر السخرية كل خطوة من خطواته وراء نزعته إلى الشك المريض الواهي من أساسه وإنما أخطر من ذلك تحيزه في تطبيق نزعته في الشك، فبمجرد أن يجد رأيا في غير صف الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان تافها أو مصادما للمعقول ينقلب شكه فجأه إلى يقين وتأييد. إنه تحامل حقود لا يخجل من التحدث باسم النقد العلمى بما يناقض المنطق ذاته.

<<  <   >  >>