للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شأن القرآن، كانوا يحرصون على سماعه إما للبحث عن نقط‍ ضعف فيه تعينهم على مغالبته أو مهاجمته، وإما لإشباع حاجتهم الملحة في التذوق الأدبي، ويمكننا أن نتصور إذن مدى الاهتمام الذي كان يثيره القرآن في نفوس المؤمنين، فقد كان بالنسبة إليهم غذاء الروح وقاعدة السلوك ونصوص الصلاة وأداة الدعوة إلى الإسلام، كان نشيدهم وتاريخهم، كان قانونهم الجوهري ودستورهم في كل شؤون الحياة.

[القرآن (المقروء) والكتاب (المدون)]

غير أن النص المنزل لم يقتصر على كونه «قرآنا» أو مجموعة من الآيات التي تتلى أو تقرأ، وتحفظ‍ في الصدور، وإنما كان أيضا «كتابا» مدونا بالمداد. فهاتان الصورتان تتضافران وتصحح كل منها الأخرى.

[كتبة الوحي]

ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه من فوره على كتبة الوحي ليدونوه على أي شيء كان في متناول أيديهم، مثل الورق أو الخشب أو قطع الجلد أو صفائح الحجارة وكسر الأكتاف ... الخ. ويذكر العلماء الثقاة أن عدد كتاب الوحي بلغ تسعة وعشرين كاتبا، أشهرهم الخلفاء الخمسة الأوائل (أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاوية) والزبير بن العوام وسعيد بن العاص وعمرو بن العاص وأبي بن كعب وزيد بن ثابت، ولكن معاوية وزيد بن ثابت كانا أكثر ارتباطا بهذا العمل. وإذا كان عدد كتبة الوحي بمكة لم يبلغ هذه الكثرة ومهمة الكتابة ذاتها لم تأخذ هذا الطابع الرسمي، فإن هناك واقعة أكيدة هي أن المؤمنين لم يتوانوا منذ البداية - بل وخلال صنوف الاضطهاد التي تعرضوا لها - في تسجيل الآيات القرآنية التي وصلتهم في مخطوطات شخصية لاستعمالهم الخاص. وكان إسلام عمر - كما ورد بالأثر - راجعا إلى قراءته لآيات أول سورة طه التي وجدها مكتوبة على ورقة كانت تحملها أخته.

<<  <   >  >>