للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا «المدخل». فعلينا إذن أن نكتفي بالقول بأنه عندما يشترك هذان الكتابان في الحديث عن موضوع واحد (١)، فإن جوهر المعنى يتشابه بينهما بشكل يستلفت الأنظار، بحيث يكاد ينحصر الاختلاف في فروق طفيفة وثانوية، مع تميز النص القرآني في الغالب باتزانه واتجاهه نحو استخلاص العبر والدروس من كل عرض.

ولقد كتب جول دافيد في مقال معنون «توافقات واختلافات بين القصص الديني في التوراة والقرآن» يقول «إن الجوهر واحد، والاختلاف ليس إلا في الشكل، وفي تفاصيل طفيفة للغاية» (٢).

وأننا لا نسمي الزيادة أو الحذف «اختلافا» لأننا نرى أن ما يستحق أن يطلق عليه ذلك هو التعارض والتناقض. ومع ذلك فالاختلاف بهذا المعنى نادرا جدا بين هذين الكتابين وقابل للتأويل. ويعتمد المتشككون على مثل هذه الاختلافات التافهة، ليرفضوا الإسلام ككل، ولكن المنطق يتطلب موقفا مغايرا. ففي الوقت الذي نضع فيه ثقتنا في الرواة الموثوق بهم نتوقف أمام نقط‍ الاختلاف وحدها، إما لنعلق حكمنا، وإما لنحاول البحث عن نوع من الربط‍ يسمح لنا بتصحيح بعض الروايات بغيرها. وما يتبع للتوفيق والتدرج بين الأناجيل الأربعة، ينبغي أن يتبع في دراسة مجموع المواعظ‍ والوصايا الدينية التي تركها لنا جميع رسل الله عليهم السلام. فالجميع عندنا مقدسون ومنزهون. ورغم المسافة الشاسعة التي تفصل بينهم من حيث الزمان والمكان ورغم اختلاف الأجناس واللغات، فقد مروا بنفس التجربة؛ وهي الاتصال بعالم الغيب، وإن تطابق أقوالهم في جوهر تعاليمهم، ينبغي أن يفتح أعين الغافلين على صدقهم وصحة مبادئهم التي تناولت بالوصف الحقائق العليا من زوايا مختلفة.

[٢ - في الحاضر: حقائق علمية]

ولكن القرآن في دعوته إلى الإيمان والفضيلة لا يسوق الدروس من التعاليم


(١) لأن كل كتاب منهم في الحقيقة يحتفظ‍ بخاصيته. مثل خط‍ الأنساب في التوراة وقصص عاد وثمود في القرآن.
(٢) Revue de la Societe des Etudes Historiques IVe serie،T II Mars-Avril I ٨٨٤ p .١٢٥

<<  <   >  >>