للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نشأ عند الصحابة منذ العهد الأول تباين في القراءات لبعد كل قراءة عن غيرها.

فيروي البخاري أن عمرا ثار يوما على هشام بن الحكيم ابن حزام لأنه سمعه يتلو سورة الفرقان بقراءة تختلف عن القراءة التي علمها له الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد تحامل على نفسه في كظم غضبه أثناء صلاة هشام وفور خروجه من الصلاة قام إليه عمر وأمسك بتلابيبه وسأله: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها قال اقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كذبت فو الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السورة.

وانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم هشام فقرأ السورة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: هكذانزلت ثم أمر عمر فقرأ السورة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم. هكذانزلت ثم قال: إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف (١) فأقروا ما تيسر منها. ويذكر الطبري أن أبي بن كعب صدم أيضا من اختلاف في قراءة سورة النحل ولما احتكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أقر القراءتين (٢).

[هل ألغى عثمان جميع القراءات؟]

فهل كان عثمان أكثر تشددا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنع أشياءا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبيحها؟ لا نعتقد ذلك. فلم يكن عثمان يقصد، كما يعتقد بصفة عامة، إلى إلغاء كل اختلاف في القراءات. بل كان مصحفه - كما هي الحال في المصاحف السابقة - يتكون من هيكل كلمات تقبل القراءة بطرق مختلفة بل وكان حرصه دائبا على أن يوضح القراءات المعروفة على النص ذاته في كل مرة لا تتمكن


(١) هل كلمه «سبعة» تعني في الحقيقة سبعة أم تفيد الكثرة، اختلف على هذه النقطة ومهما يكن من أمر فإن هذه الأحرف السبعة يجب عدم خلطها بالسبعة قراء الذين اختارهم ابن مجاهد. ولا داعي للربط‍ بينهما كما يقترح الدكتور «جيفري» في المقدمة العربية «لكتاب المصاحف» ص ٨ فإن اختيار عدد السبعة من ابن مجاهد جلب عليه لوما كثيرا (الإتقان ص ٤٩، نولدكه «تاريخ القرآن» ص ٥٠، التبيان للطاهر ص ٨١) لأنه يوحي بالإعتقاد بأن كل قراءة منسوبة إلى هؤلاء القراء السبعة تعتبر شرعية والعكس صحيح. بينما النقد المنهجي هو الذي في إمكانه وحده أن يميز بين الخطأ والصحيح. ويعكس ما يعتقد الدكتور جيفري (نفس المرجع) يجب أن يوجه النقد العلمي لدراسة السبعة قراءات أو العشرة أو الأربعة عشر وأي مصدر لكل قراءة مهما اختلفت.
(٢) رواه البخاري عن عروة بن الزبير - كتاب فضائل القرآن - باب من لم ير بأسا أن يقول سورة البقرة وسورة، ج ١٠ ص ٣٩٩.

<<  <   >  >>