للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الإتصال بالجموع المسيحية في سوريا]

إننا نفضل أن نتكلم عن بيئة أوسع دائرة وثقافة أغنى بحيث يمكن أن تكون أفكارها الدينية وطقوسها قد ساهمت في تكوين النظام الإسلامي. فقد رأينا أن محمدا صلّى الله عليه وسلم في شبابه كان من وقت لآخر يسافر إلى سوريا في تجارته وربما إلى اليمن لنفس الغرض (١). ومن المعلوم أن الغساسنة بسوريا، وبني الحارث بنجران في اليمن، كانوا قد اعتنقوا المسيحية (فضلا عن وجود القبائل اليهودية بالمدينة وخيبر التي لم يتصل بها محمد صلّى الله عليه وسلم إلا بعد الهجرة). فلماذا لا يكون هذا المسافر العربي - بما عرف عنه من ملاحظة ذكية واهتمام فطري بالمسائل الأخلاقية - قد تأثر بأخلاق وأفكار هذه المجتمعات التي تفوق في سموها ورقتها أخلاق قومه الخشنة التي كانت تثير حنقه؟.

كان هذا رأي «جولد سيهر» وآخرين. فلقد اعتقد هذا المفكر المجري أن مقارنة محمد صلّى الله عليه وسلم لحياة قومه وتقاليدهم، بانطباعاته الحية التي اكتسبها من رحلاته العديدة قد أوجدت عنده الدفعة الأولى لنظامه الإصلاحي (٢).

إلى أي حد سيساعدنا هذا الرأي في حل المشكلة؟ أولا هل دخل محمد في الأراضي المسيحية الحقيقية؟ بعض الكتاب يشكون في هذا نظرا لعدم وجود أية إشارة في القرآن عن المظاهر الخارجية للديانة المسيحية. بينما يتكلم بتوسع عن أعماق روح المسيحية الشرقية مما يتناقض تماما مع مسلك الشعراء العرب المعاصرين للرسول صلّى الله عليه وسلم، والذين زاروا هذه البلاد (٣). وهناك كتاب آخرون أكثر اقترابا من الحقيقة، إذ يؤكدون أن رحلات القوافل التجارية التي صاحبها الرسول صلّى الله عليه وسلم لم نقده إلى أبعد من سوق (حباشا) بتهامة وغراش باليمن (٤).


(١) رحلة الشتاء والصيف (قريش ٢).
(٢) «عقيدة الإسلام وتشريعه» ص ٤.
Goldziher،Le Dogme et la Loi de l'Islam ،
(٣) اندريه «محمد، حياته وعقيدته» ص ٣٧ - ٣٨.
T.Andrae،Mahomet،Sa vie et sa Doctrine .
(٤) سبرنجر ذكره هوارت في المقال السابق ص ١٢٨
Sprenger،cite Par Huart Une Nouvelle Source du Koran،p .١٢٨

<<  <   >  >>