للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كبير من الأهمية استطاعت بمقتضاه الدعوة الإسلامية أن تنتشر في قطاع شاسع من البشرية، وأن تضم في رحابه أفكارا واتجاهات وطبائع جد مختلفة، لا يجدي معها تشدد تجريدي غير متسامح ولا تساهل بغير حدود.

وبتوضيحنا لمنهج القرآن التوفيقي هذا، نكون قد أبرزنا في نفس الوقت مادته في الدعوة والتشريع، فكم هو جميل أن نرى كتابا أخلاقيا قد جمع بين دفتيه حكمة الأولين، فضلا عن أنه قدم - في وقت واحد وبهدف واحد - عديدا من الدروس المتباعدة في الزمان والمتعارضة أحيانا في منطوقها.

ولكن القرآن لا يقف عند هذا الحد.

فإذا كان هدفه الأول هو أن يحافظ‍ على التراث الأخلاقي الذي نزلت به الكتب المقدسة السابقة ويؤيده، فإن له رسالة أخرى لا تقل عنه أهمية وقدسية، ألا وهي إتمام وإنهاء الصرح الإلهي الذي بناه الرسل والأنبياء عليهم السلام على مر العصور.

يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» (١) ويقول: «مثلى ومثل الأنبياء كرجل بنى بيتا» (٢) أو كما يقول القرآن ذاته إن هدفه أن يوضح للناس أقوم الطرق في السلوك والاعتقاد (٣).

ما هو الجديد والتقدمي إذن في تعاليم القرآن الأخلاقية؟ هذا هو ما سنوضحه في ملاحظات مختصرة تهم كل باحث منصف:

[١ - في مجال الفضيلة الشخصية]

في هذا المجال الفردي نجد على الأقل قاعدة جديدة ومبدأ جديدا في القرآن فالقاعدة الجديدة هي تحريم الخمر، والقضاء على مصادرها، بمنع تناول أي مشروب


(١) انظر ابن سعد وحكيم المذكورين في جامع السيوطي مادة «إنما»، مسند أحمد، عن أبي هريرة، رقم ٨٥٩٥.
(٢) صحيح البخاري عن أبي هريرة كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ج ٧ ص ٣٧٠ وصحيح مسلم كتاب الفضائل باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ج ٧ باب ٦٤.
(٣) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً [الإسراء: ٩].

<<  <   >  >>