للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسيقول المترددون: إذا سلمنا بحياة نباتية جديدة، كيف تعود الحياة الإنسانية بعد انقطاع الحواس وانفصال الشعور عن الجسد؟ إن على من يفكر على هذا النحو أن يعود بنظره إلى التجربة التي تتكرر كل يوم وهي توالي النوم بعد اليقظة لكي يرى نوعا من حدوث الحياة بعد الموت (١).

فليس إذن من المستحيل، بل هو من الأرجح، أن تكون لنا حياة أخرى، ولكن على أي أساس نقرر هذا التأكيد؟ إن القرآن يؤسس هذه العقيدة ليس فقط‍ على قرار رباني ألزم الله تعالى به نفسه (٢)، وإنما على أحد مستلزمات العدل الإلهي والحكمة السامية {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [النحل: ٣٩] {وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} [الجاثية: ٢٢] وإلا لكانت حياة الإنسان بلا غاية ولا جدوى (٣).

[ماذا تضمنه أصالة التعاليم القرآنية؟]

وهكذا نرى أن القطبين اللذين تأسست عليهما الديانة الموحدة التي يدعو القرآن إليها، يقومان إما على حقائق سبق الاعتراف بها، أو تنبني على مبادئ واضحة. إن أي برهان نظري لا يتطلب أكثر من هذه القوة في التدليل والإقناع.

وإذا كانت الفكرة الدينية قد بقيت في جوهرها كما كانت دائما، فلا شك أنها حققت تقدما حقيقيا من حيث الشكل الذي قدمها به القرآن - ليس فقط‍ لأنه ساق البراهين والأدلة القادرة على إقناع أصعب العقليات، وعلى تحريك أقسى القلوب، وليس فقط‍ لأنه قدم نظراته الواسعة والثاقبة عن الكون السماوي والأرضي واستخلص مواعظ‍ ودروسا من كل مظهر من مظاهر الخلق الداخلية والظاهرية -


(١) اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر: ٤٢].
(٢) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ [النحل:
٣٨].
(٣) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: ١١٥] أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً [القيامة: ٣٦].

<<  <   >  >>