للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودون تقديم أي دليل؟. أليس هذا جنونا أو ما يقرب من الجنون، والحقيقة أنه في كل الظروف غير العادية التي تصاحب ظهور الأنبياء والرسل عليهم السلام حيث يبلغون رسالاتهم ويؤمنّون نجاحها - لا يرى القرآن في هذا كله عملا بشريا مباشرا. إذ بقدرة من الله تعالى تتم هذه المعجزة أو تلك على لسان هؤلاء الرسل عليهم السلام أو بأيديهم، وليس لهؤلاء الرسل عليهم السلام أكثر مما لدى قومهم من حق في ادعاء اختيار المعجزات أو استبدالها بغيرها. فنوح والرسل عليهم السلام الأولون أعلنوا ذلك صراحة (١) وعندما طلب الفريسيون من عيسى أن يريهم آية من السماء ماذا فعل غير أنه رفض طلبهم وانصرف؟ (٢) فالله يعطي سلطانه لمن يشاء، وعلى أي شكل يريد، بحسب تقديره سبحانه لأوفق طريقة تناسب هذا العصر أو ذاك، وهذا الجيل من الإنسانية أو غيره فلقد ألقى موسى عصاه فإذا هي قد تحولت إلى ثعبان عظيم، وها هو موسى مأخوذ من الدهشة (٣).

وينادي عيسى الميت، وبإذن الله يعود الميت إلى الحياة (٤) (،٥) وهذا هو أمر الرسالة المحمدية، في بادئ الأمر كانت مجرد تلاوة لبعض آيات القرآن الكريم تحول هؤلاء الكفار المعاندين من الموت الوجداني إلى الحياة الروحية (٦)، إنه ليس محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي فتح قلوبهم (٧). إنه ليس هو الذي يسمع الموتى ويرى العميان (٨)، وإنما


(١) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ [هود: ٣٣] وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ [إبراهيم: ١١].
(٢) وجاء إليه الفريسيون الصدوقيون ليجربوه فسألوه أن يريهم آية من السماء فأجاب وقال لهم: «إذا كان المساء قلتم صحو لأن السماء محمرة وفي الصباح اليوم شتاء لأن السماء محمرة بعبوسة، يا مراؤون تعرفون أن تميزوا وجه السماء وأما علامات الأزمنة فلا تستطيعون. جيل شرير فاسق يلتمس آية ولا تعطي له آية إلاآية يونان النبي ثم تركهم ومضى» (إنجيل متى - إصحاح ١٦ - ١ إلى ٤).
(٣) فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى [طه: ٢٠].
(٤) وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى [المائدة: ١١٠].
(٥) «ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله» (إنجيل متى - إصحاح ١٢ - ٢٨).
(٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال: ٢٤].
(٧) وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الآية السابقة].
(٨) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ. وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [الروم:
٥٣:٥٢].

<<  <   >  >>