للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحال الذي يرسمه لنا القرآن عن صورته قبيل نزول الوحي عليه: لقد كان حزينا وكأنه يئن تحت حمل ثقيل (١).

ولنفرض أن اجتياز مرحلة البحث الأولى كان سريعا، وأن اكتشاف الحقيقة الجوهرية كان سهلا أو حدث في وقت مبكر. ولكن معرفة الله سبحانه وتعالى ليست هي كل العلم الديني الموجود في القرآن، والطريق الموصل إلى هذا العلم طويل ومتعثر إن لم يكن مغلقا ومسدودا أمام عقل الإنسان في حالة اعتماده على إمكانياته المحدودة. بأي إلهام إذن استطاع محمد صلّى الله عليه وسلم أن يكتشف صفات الله العديدة، وأسمائه الحسنى، وعلاقة الله بالكون المنظور وغير المنظور، والمصير الذي ينتظر الإنسان بعد الموت ... ومن غير أن يتراجع في حقيقة سبق أن أعلنها، ومع احتفاظه في نفس الوقت بتوافقه العجيب مع حقائق الكتب السماوية السابقة والمحفوظة بعناية تحت يد العلماء؟ لا شك أن العقل مهما بلغ من الصفاء والقوة لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة في هذا السبيل بمثل هذه الثقة وهذا الوضوح ما لم يكن له عون ومدد من تعاليم ايجابية خارج نطاق البشر. والقرآن يؤكد هذا في تلك النقطة التي تشغلنا، ويقرر أن محمدا صلّى الله عليه وسلم لم يكن يدري قبل نزول الوحي عليه {مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ} [الشورى: ٥٢]، وذلك بصرف النظر عن البناء التشريعي بمظاهره المختلفة، الأخلاقي منها والاجتماعي والتعبدي. كيف نعبد الله؟ ما هي قاعدة السلوك المثلى للفرد والمجتمع والإنسانية؟ لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم يجهل كل ذلك فهل كان في استطاعته هداية غيره، بينما كان عاجزا عن هداية نفسه في أمور دينه؟ (٢).


(١) أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ [الإنشراح: ١ - ٣].
(٢) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى [الضحى: ٧].

<<  <   >  >>