للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأخلاقية ويبلورها. فالرسول صلّى الله عليه وسلم {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ} (بمعناها الحقيقي والمجازي) (١) {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى} (وهو ما ننساه كثيرا عندما ننفق من مال الله علي الغرباء بغرض التفاخر والتباهي). {وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} (٢) {قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ} ... {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ‍} (٣) {قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (٤) وبدلا من سرد الآيات الكثيرة، يكفي أن نذكر أن استناد القرآن على الضمير الأخلاقي - في عمومه - في التمييز بين الخير والشر، قد ذكر في أكثر من خمسة وأربعين موضعا (٥) منه.

ومع ذلك ونظرا لأن هذه الحاسة الطبيعية التي يلجأ إليها القرآن كثيرا ليست دائما بنفس القوة والفاعلية عند كل الناس لتلزمهم بالخضوع لقاعدة السلوك، فقد اقتضى الأمر وضع منهج كامل في التربية، فالمؤدب المخلص الحريص على بث تعاليمه يلجأ إلى طريقة أخرى - ليست بأقل قوة - وإن كانت مستقلة كل الإستقلال عن رضاء الفرد ذاته، فبجوار الحاسة الخلقية وهب الإنسان فوقها الذكاء والعقل. فإذا غاب هذا الشعور الحيوي عن الخير والشر، تبقى فكرة الواجب العام أو المتعارف عليه عالميا. وأفضل طريقة لإيقاظ‍ هذه الفكرة، ولجعلها تسمو بمشاعرنا، هي أن نستعين بتأييد ذوي الإختصاص لها وهم الحكماء والقديسين في كل زمان.


(١) [الأعراف: ١٥٧].
(٢) [النحل: ٩٠].
(٣) [الأعراف: ٢٨ - ٢٩].
(٤) [الأعراف: ٣٣].
(٥) انظر على سبيل المثال كتابنا «الأخلاق في القرآن» الفصل الثالث - الفقرة الثالثة «أ».

<<  <   >  >>