للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اتخذه في المدينة، والذي اعتبروه تغييرا مفاجئا بالنسبة لموقفه في مكة. وعند ما نضيف إلى ذلك تعدد زوجات الرسول صلّى الله عليه وسلم في أواخر أيام حياته، يكون ذلك في نظرهم بمثابة هدم نظام الأخلاق الإسلامي في مرحلته الأخيرة. وحتى الذين يقدرون الإسلام حق قدره، وهو في نشأته مضطهدا ومثخنا بالجراح، ويقدرون أيضا مؤسّسه المسالم والمتزوج بامرأة واحدة، ينتابهم الهول عندما يرونه فيما بعد «ملطخ اليدين بالدماء ومحاط‍ بموكب من زوجاته».

نستطيع أن نكشف بسهولة تحت هذا الأسلوب التصويري لكّتاب مسيحيين، أساسا للاستدلال، لا يمكنهم أخذه مأخذ الجد دون أن يهدموا جزءا من إيمانهم بتعاليم التوراة قبل مجيء المسيح، وهي تلك التي يمكن أن تثير بشأنها حجتهم المزدوجة. وحينئذ لا مناص من القول بأنهم كانوا مدفوعين بشعورهم، أكثر من اعتمادهم على التدليل المنطقي الصارم.

وعلى كل حال لقد أثبتنا فيما تقدم - بما يغنينا عن التكرار - موقف القانون القرآني الحقيقي إزاء النقطة الأولى (١).

أما النقطة الثانية فإنها تكاد تمس من بعيد موضوع دراستنا، وهو القرآن لا شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلم. وبما أن القرآن لا يتوانى في إلقاء الضوء على حياة رسوله الخاصة، فسوف نرى كيف تبدو حياته من خلاله:

تبدو شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلم في القرآن محددة بخطوط‍ ثلاثة: الشعور والإرادة والإيمان. فهو بطبيعته بشر كما كان حال من سبقه من المرسلين (٢)، وهو يأكل الطعام ويسعى في كسب رزقه (٣)، وله مثل - بعض الرسل عليهم السلام -


(١) انظر الجزء الأول من الفصل الثالث من هذا الكتاب.
(٢) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ [الأنبياء: ٧ - ٨].
(٣) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٢٠].

<<  <   >  >>