للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الأنبياء: ١٠٧]، ومن إرساء القواعد الأساسية للإسلام (فى السور المكية) إلى التطبيق العملي (في السورة المدنية)، ومن التبغيض في شرب الخمر {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما}

[البقرة: ٢١٩]، إلى تحريمها صراحة {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: ٩٠]، ومن الدعوة إلى الصبر واحتمال الأذى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ} [النساء: ٧٧]، إلى المقاومة المسلحة {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} [البقرة: ١٩٠] .... الخ.

وقد يكفي أن نسجل هنا تاريخين على جانب من الأهمية، هما تاريخ انطلاق الدعوة وتاريخ اختتامها. فالتاريخ الأول هو يوم غار حراء، حين تلقى محمد صلى الله عليه وسلم الوحي لأول مرة، وأعلن فيه أنه سيتلقى علما من قبل الله {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: ٤ - ٥]، وسيكلف بمهمة شاقة {إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل: ٥]. أما التاريخ الثاني فهو يوم حجة الوداع، حين أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن رسالته قد تمت، وأن مهمته على الأرض قد انتهت {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}

[المائدة: ٣] وبعد ذلك لم يلبث الرسول صلى الله عليه وسلم أن لحق بالرفيق الأعلى.

إن هذا التطور إذن كان متفقا مع خطة تربوية وتشريعية موضوعة في وقت سابق، في إجمالها وفي تفصيلها، بمعرفة منزل الوحي سبحانه وتعالى. فإذا كانت هذه النصوص ذاتها التي كانت تتبع في نزولها تخطيطا تربويا ممتازا، قد تحولت بمجرد نزولها من شكلها التاريخي لكي تتوزع وتتجمع في شكل آخر على هيئة إطارات محددة ومختلفة الأطوال بحيث يظهر من هذا التوزيع المقصود في النهاية، كتاب يقرأ، مكون من وحدات كاملة، لكل منها نظامها الأدبي والمنطقي، لا يقل روعة عن النظام التربوي العام، فهذا هو التخطيط‍ المزدوج الذي لا يمكن أن يصدر عن علم بشر.

***

<<  <   >  >>