للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«إن ما قابله محمد صلّى الله عليه وسلم وأتباعه في كل اتجاه .. لم يكن إلا خرافات منفرة، ووثنية منحطة ومخجلة، ومذاهب كنسية مغرورة، وطقوسا دينية منحلة وصبيانية، بحيث شعر العرب ذوو العقول النيرة، بأنهم رسل من قبل الله، مكلفين بإصلاح ما ألمّ بالعالم من فساد .. » وعندما وصف راهب مورخ الآلام والعذاب والذي أوقعه الفرس بشعب فلسطين في زمن محمد صلّى الله عليه وسلم لم يتردد في أن يقرر أن الله لم يصب المسيحيين هناك بقسوة الذنادقة الظلمة إلا بسبب ظلمهم وشرورهم. وعندما أراد «موشايم» Mosheim وصف هذا العصر، رسم صورة للمقارنة، أبرز فيها التعارض بين المسيحيين الأوائل والأواخر، وخرج بأن الديانة الحقيقية في القرن السابع كانت مدفونة تحت أكوام من الخرافات والأوهام السخيفة، حتى أنه لم يكن في مقدورها أن ترفع رأسها (١).

وكأن هذه الصفحات قد كتبت لتفسرالآية القرآنية الوجيزة من سورة المائدة {وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ}

[المائدة: ١٤]، فهذه الآية الكريمة تشير مجرد إشارة إلى البعد الذي كان بين المسيحية والمسيحيين في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم وتعلن أن الإنشقاق الناتج من هذا البعد سيمتد إلى يوم القيامة.

فهل كان مسلك العرب الذين تنصروا أحسن حالا من مسلك المسيحيين أنفسهم؟ لا - فرغم تنصر قبائل العرب بسوريا في الجاهلية (الغساسنة)، احتفظوا بعاداتهم وتقاليدهم الوثنية القديمة (٢). ولقد قال عليّ إن ما أخذه التغالبة من المسيحية لم يكن سوى شرب الخمر (٣) ويقرر «هوارت» Huart في


(١) اسحق تيلور ذكره الدكتور سنكلير تسدال في «مصادر القرآن» باللغة الانجليزية ص ١٣٦ - ١٣٧.
Taylor،cite par Dr.Sinclair Tisdall،The sources of the Koran
(٢) انظر مسايه «الإسلام» ص ١٧.
(٣) انظر نولدكه في «تاريخ القرآن» باللغة الألمانية ص ١٠ وانظر أيضا تفسير الزمخشري لسورة المائدة الآية ٥.

<<  <   >  >>