للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول قاصر: أن تقول إن القرآن دائرة معارف عصره، فلقد كانت لجميع العصور أوهامها التي اعتبرتها حقائق مقررة ولم يثبت خطؤها إلا فيما بعد. ولكن القرآن في مسلكه بين مجالات العلم لا يتأرجح أبدا والحقائق التي يسوقها كانت وستظل لا تقهر (١).

إنه لا يقع في الأخطاء الموروثة - التي كانت في العصور القديمة والتي تتميز بها الجزيرة العربية، كما أنه لا يتوقف عند تفاصيل حقيرة أو دارجة أو تحمل طابع البيئة التي نزل فيها. ولقد عبر «لامنز» في كتابه «مهد الإسلام قبيل الهجرة» عن أسفه، لأن هذا الكتاب لم يقدم معلومات أو تفاصيل توصف بها بلاده من حيث العلوم المناخية والجوية، بينما يطيل تأملاته أمام النجوم والجبال والسحاب والمظاهر العادية الأخرى التي يصفها بالعجائب (ص - ٨٩) وهنا يمكن في رأينا الدليل على أن القرآن ليس انتاجا محليا، لأن الحقائق التي يقدمها هي من النوع الذي يسهل على جميع العقول إدراكه واستخلاص الفائدة الأخلاقية منه. ولهذا نرى مكانه سامقا فوق كل الاعتبارات الجغرافية والعنصرية وغيرها. ولهذا أيضا لا يذكر عموما أسماء الأشخاص والأماكن التي يتحدث عنها، ولا يركز إلا على العبر والدروس التي تفيد في تربية الإنسانية، إن هذا المنهج الكامل المتكامل الذي ينفرد به القرآن وحده هو في ذاته برهان وأي برهان.

لقد انتشرت الدعوة القرآنية في البداية في الجزيرة العربية بين العرب ولكن غايتها هي أفراد البشرية أجمعين (٢).

***


(١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: ٤٢].
(٢) لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: ١] إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ [سورة ص: ٨٧].

<<  <   >  >>