للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن كيف يمكن أن نفسر أن قضية مثل هذه، تستند إلى المنطق ورسوخ الأصل، وتتجدد على الدوام بتعاليم الرسل الإيجابية - كيف يمكن أن تختفي بهذه السهولة من الأذهان لتحتل مكانها أفكار مناقضة لها؟ السبب هو أن الإنسان بطبيعته يشعر أنه مدفوع إلى الإعجاب بالقوة الخلاقة أينما وجدها، والمرحلة من الإعجاب إلى العبادة متصلة ولا تتضمن إلا اختلافا في الدرجة؛ فالشمس التي تضيء لنا الدنيا وتمنحنا الدفء والحياة؛ والشجرة التى تحمينا بظلها وتمنحنا ثمارها؛ والنبع الذي يتفجر بالماء من بين الصخور. كل هذه القوى الطبيعية، التي تتحرك في سكون وفاعلية، عجائب تأخذ بألباب المتأملين. وما بالك بالخوارق التي تتم على يد ساحر أو صانع للمعجزات؟ فبإرشاد من الحواس الخارجية، يميل الإدراك بسهولة إلى أن ينسب منشأ أية ظاهرة إلى المصدر المباشر الذي انطلقت منه. إنه ينسبها إلى الشيء التي انطلقت منه كأثر لسبب حقيقي فعال ومستقل، ولا يرتفع الإدراك من تأثير الظاهرة إلى مصدرها، ومن الملموس إلى المعقول، إلا بمجهود فكري إرادي. ونادرا ما يبذل هذا الجهد. ومن أول أهداف القرآن تزكية هذا المجهود بقوة، إذ يذكرنا دائما باستحالة خروج أي مخلوق من العدم من غير قوة خالقة؛ وباستحالة أن يخلق ذاته؛ أو أن يخلق أي شيء على الإطلاق في السماوات أو الأرض (١). ولا حتى أية حشرة على فرض تضافر كل القوى والجهود لهذا الغرض (٢) والأكثر من ذلك أنه إذا استولت ذبابة على شيء يملكه أقوى إنسان في الدنيا فلن يستطيع أن يستعيده منها (٣). فالجميع - ما عدا الله سبحانه وتعالى - لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض لا بالمشاركة ولا


(١) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ [الطور: ٣٥ - ٣٦] أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ [الأعراف: ١٩٠ - ١٩١].
(٢) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحج: ٧٣].
(٣) وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [نفس الآية السابقة].

<<  <   >  >>