للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والانقطاع دون ذلك، فكل ما في القرآن فمن تفصيل جوامع هذه، وكل ما يكون وصلة بين ما ظاهره من الخلق ومبدؤه وقيامه من الحق فمفصل من آية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)}».

وذكر ابن القيم -رحمه الله-: «أن السورة اشتملت على الرد على جميع طوائف أهل البدع والضلال، كما بينت منازل السائرين، ومقامات العارفين، وبيان أنه لا يقوم غير هذه السورة مقامها، ولا يسد مسدها، ولذلك لم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل مثلها».

وقال ابن سعدي -رحمه الله-: «وهذه السورة على إيجازها احتوت على ما لم تحتوِ عليه سورة من سور القرآن، فقد تضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، يؤخذ من قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وتوحيد الألوهية، وهو إفراد الله بالعبادة، يؤخذ من لفظ (الجلالة): اللَّه، ومن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.

وتوحيد الأسماء والصفات، وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى، التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تعطيل، ولا تمثيل، ولا تشبيه، وقد دل على ذلك لفظ الحمد. وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)}، وأن الجزاء يكون بالعدل، وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى، عبادة واستعانة في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)}. وتضمنت إثبات النبوة في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)}؛ لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة. وتضمنت إثبات القدر، وأن العبد فاعل حقيقة. وتضمنت الرد على جميع أهل البدع والضلال في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)(١).

وأيضًا وصف الله بالرحمة العامة والرحمة الخاصة في اسمي الرحمن، الرحيم دلالة على إثبات توحيد الأسماء والصفات كما هو معلوم وظاهر لا يخفى.

وبهذا يتبين أن السور الكريمة قد حوت أهم مقاصد القرآن الكريم إجمالًا، ثم جاء ذلك مفصلًا في سائر سور القرآن الكريم كلها.


(١) مقاصد سورة الفاتحة، موقع إسلام ويب، موقع المقالات/ بتاريخ (٢٠/ ١١/ ٢٠١٢ م).

<<  <   >  >>