للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضِّلعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» (١).

وهذا من كمال قدرته وعظمته سبحانه ومطلق مشيئته؛ ليعلم الإنسان أصل خلقته، ومبدأ منشئه، فيعلم عظمة ربه وقدرته على خلقه، وأيضًا ليعلم فقره التام لربه مع غناه عنه سبحانه ويعلم ضعفه وانعدام حيلته، فيستسلم لعظمته ويخضع لجبروته وسلطانه وينقاد لأمره ولا يتمرد على خالقه وسيده ومولاه.

وقال ابن القيم -رحمه الله-: « … ليرى عباده أنه خالق أصناف الحيوان كلها كما يشاء وفي أي لون شاء، فمنها المتشابه الخلقة المتناسب الأعضاء، ومنها المختلف التركيب والشكل والصورة، كما يرى عباده قدرته التامة في خلقه لنوع الإنسان على الأقسام الأربعة الدالة على أنه مخلوق بقدرته ومشيئته، تابع لها، فمنه ما خلق من غير أب ولا أم، وهو أبو النوع الإنساني، ومنه ما خلق من ذكر بلا أنثى، وهي أمهم التي خلقت من ضلع آدم، ومنه ما خلق من أنثى بلا ذكر، وهو المسيح ابن مريم، ومنه ما خلق من ذكر وأنثى وهو سائر النوع الإنساني، فيرى عباده آياته ويتعرف إليهم بآلائه وقدرته وأنه إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون» (٢).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «خلق سائر الخلق من ذكر وأنثى، وكان خلق آدم وحواء أعجب من خلق المسيح؛ فإنَّ حواء خلقت من ضلع آدم، وهذا أعجب من خلق المسيح في بطن مريم، وخلق آدم أعجب من هذا وهذا، وهو أصل خلق حواء» (٣) انتهى.

وقد قال الله تعالى في خبر عيسى وأمه قولًا مختصرًا فصلًا: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)} [المؤمنون].


(١) البخاري (٣٣٣١) ومسلم (١٤٦٨).
(٢) مفتاح دار السعادة (١/ ٢٤٢).
(٣) الجواب الصحيح (٤/ ٥٤).

<<  <   >  >>