و «توحيد الربوبية حق، وأمره عظيم، ولا يصح إيمان العبد إذا لم يؤمن به، ولكن هذا النوع من أنواع التوحيد ليس هو الغايةَ التي جاءت بها الرسل، وأنزلت من أجلها الكتب، وليس الغايةَ التي من جاء بها فقد جاء بالتوحيد وكماله؛ ذلك أن الله أمر بعبادته التي هي كمال النفوس وصلاحها وغايتها، ولم يقتصد على مجرد الإقرار به كما هو غاية الطريقة الكلامية»(١).
ولقد أقر الكفار بربوبية الله تعالى على زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومع إقرارهم هذا قاتلهم -صلى الله عليه وسلم- واستحل دماءهم وأموالهم وسبى ذريتهم ونساءهم، ولم يدخلهم في الإسلام، وهذا الإقرار أيضًا لن ينجيهم من عذاب الله في الآخرة، لأنهم صرفوا العبادة لغيره سبحانه ولم يقروا بألوهيته جل في علاه، فمن أقر بالربوبية دون تحقيق توحيد الألوهية لم يكن مسلمًا موحدًا، ولا يَحْرم دمه ولا ماله حتى يقرَّ لله بالألوهية، ويصرف له العبادة وحده دون سواه.
وفي ذكر الله تعالى لإقرار الكفار بربوبيته سبحانه حكم عظيمة من أجلها وأعظمها إقامة الحجة ووضوح المحجة على نصب ربوبيته، وأنه سبحانه خالقهم ورازقهم، فلا يستحق العبادة سواه جل في علاه، إذًا كيف يقرون له بالربوبية، ولا يقرون له بالألوهية والعبودية؟ فإن الخالق المدبر لهذا الكون المتصرف في كل شؤون خلقه وملكوته ألا يستحق العبادة؟، فكيف يقرون لله بالربوبية، ثم يعبدون سواه؟!.