للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غيرك، ولا نستعينه، والعبادة أقصى غايات الخضوع والتذلل.

ثم قال: وقدِّمت العبادة على الاستعانة؛ لكون الأُولَى وسيلة إلى الثانية، وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب، وإطلاق الاستعانة لقصد التعميم» (١).

«فالأول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} تبرؤ من الشرك، والثاني: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} تبرؤ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله -عز وجل-» (٢)، وهذا هو عينه توحيد الألوهية.

وختامًا:

فإن «هذه السورة على ايجازها قد تضمنت ما لم تحتوِ عليه سورة من سور القرآن، فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) وتوحيد الالهية وهو إفراد الله بالعبادة يؤخذ من لفظ: «الله»، ومن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، وتوحيد الأسماء والصفات وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه، وقد دل على ذلك لفظ {الْحَمْدُ}، كما تقدم» (٣).

وبهذا يتبين ويتأكد ويتضح تقرير السورة الكريمة لتوحيد الألوهية.

وقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)}، و {اهْدِنَا} فعل أمر جاء في صيغت الطلب والدعاء، ويقع هكذا إذا كان من الأدنى إلى الأعلى.

و {اهْدِنَا}، «رغبة لأنها من المربوب إلى الرب، وهكذا صيغة الأمر كلها، فإذا كانت من الأعلى فهي أمر» (٤) ومعنى {اهْدِنَا} أي: دُلَّنا وأرشدنا إليه، ويكون بمعنى عرفنا» (٥).


(١) تفسير فتح القدير لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني (١/ ١٠).
(٢) تفسير ابن كثير (١/ ١٣٥).
(٣) تفسير ابن سعدي (١/ ٣٤).
(٤) الوجيز: لابنِ عَطِيَّةَ -عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: ٥٤٦) هـ، (١/ ٨٤ - ٨٨).
(٥) معاني القرآن: للأَخْفَشُ-الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: ٢١٥ هـ)، (١/ ١١).

<<  <   >  >>