للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويكون أيضًا بمعنى: «ثبّتنا على الهدى» (١).

وببيان معنى {اهْدِنَا} يتبين أن المقصود هنا سؤال الهدايتين جميعًا كما مرَّ بنا في بداية هذا المبحث، هداية العلم النافع، وهي هداية الدلالة والإرشاد، وهداية العمل الصالح، وهي هداية التوفيق والإلهام، ولا تتم الهداية إلى الصراط المستقيم إلا بتحقيق الهدايتين جميعًا، فمن لمن لم يعرف الصراط ولم يستدل عليه فكيف يهتدي إليه، وهذا يقتضي الجمع بين الهدايتين، ليجمع السالك لهذا الصراط بين العلم النافع والعمل الصالح، وبذلك يتحقق له كمال الهدايتين جميعًا.

ولقد جاءت هذه الآية الكريمة بعد تقديم حمد الله تعالى والثناء عليه وتمجيده سبحانه، وهي متضمنة لمعنى الدعاء والمسألة والتوسّل إليه بتوحيده -عبادة واستعانة-وحصرهما لله وحده، وهذا الحصر يفيد نبذ عبادة كل ما سواه سبحانه وإخلاص العبادة له والاستعانة به جل في علاه، وتلك الاستعانة متضمنة لإظهار الذل والافتقار لله والبراءة من حول العبد وقوته.

وكان ذلك كله مقدمة بين يدي أعظم المطالب وأجل الرواغب ألا وهو: مطلب الهداية إلى الصراط المستقيم، وقد ثبت عند مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تعالى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) قَالَ اللَّهُ تعالى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) قَالَ اللَّهُ تعالى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ:


(١) معاني القرآن: للزَّجَّاجُ-إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: ٣١١ هـ)، (١/ ٤٩).

<<  <   >  >>