للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك: لأنه سبحانه المحمود على كل حال، ولأنه -سُبحانه- هو المُستحق للمحامد كلها والثناء الكامل والمدح التام، لما يتصِّف به من صفات الكمال والجمال والجلال، فألهم ملائكته كذلك تسبيحه وحمده وهم حول العرش، وكذلك ألهمه خلقه أجمعين لما فصل في القضاء بينهم يم القيامة، كما قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥)} [الزمر].

وقوله: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي: «يصلون حول عرش الله شكرًا له» (١)، وهذا في حق الملائكة.

«وخُتمت خاتمةُ القضاء بينهم بالشكر للذي ابتدأ خلقهم الذي له الألوهية، وملك جميع ما في السماوات والأرض من الخلق، من ملك وجن وإنس، وغير ذلك من أصناف الخلق» (٢).

وذكر الإمام ابن كثير كلامًا بديعًا جمع فيه القول الفصل في تأويل آية الزمر، حيث يقول -رحمه الله-: «لما ذكر تعالى حكمه في أهل الجنة والنار، وأنه نزل كلًّا في المحل الذي يليق به ويصلح له وهو العادل في ذلك الذي لا يجور - أخبر عن ملائكته أنهم محدقون من حول عرشه المجيد، يسبحون بحمد ربهم، ويمجدونه ويعظمونه ويقدسونه وينزهونه عن النقائص والجور، وقد فصل القضية، وقضى الأمر، وحكم بالعدل؛ ولهذا قال: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [الزمر] أي: بين الخلائق {بِالْحَقِّ}.

ثم قال: {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥)} [الزمر] أي: ونطق الكون أجمعه -ناطقه وبهيمه- لله رب العالمين، بالحمد في حكمه وعدله؛ ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد.


(١) تفسير الطبري (٢١/ ٣٤٤).
(٢) المرجع السابق (٢١/ ٣٤٥).

<<  <   >  >>