«وجملة: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ} مستأنفة مسوقة لبيان إقامة الحجة على من أنكر البعث وللتعجيب من جهله، فإن مشاهدة خلقهم في أنفسهم على هذه الصفة من البداية إلى النهاية مستلزمة للاعتراف بقدرة القادر الحكيم على ما هو دون ذلك من بعث الأجسام وردها كما كانت»(١).
٤ - وقد دلل على الإقرار والإيمان بالله واليوم الآخر العقل السليم والفطر السوية، وقد أودع الله في تلك الفطرة السوية القدرة على الإيمان بالغيب الذي أخبر به سبحانه في كتابه وأخبره به رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته الصحيحة الثابتة عنه.
كما صرحت به جميع الكتب السماوية المنزلة، وأخبر به جميع النبيين والمرسلين.
وخلاصة الأمر:
أن الإيمان باليوم الآخر هو اعتقاد انتهاء هذه الدار -دار الدنيا-، وانتهاء ما فيها، ويدخل في ذلك ضمنًا: الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها الصغرى والكبرى التي تكون قبل وقوعها، والتصديق بالموت وما بعده من نعيم القبر وعذابه، والإيمان بالبعث والنشور بعد الموت، والحساب والصراط والميزان، وأخذ صحائف الأعمال، والحوض والشفاعة، والثواب والعقاب وما في موقف القيامة من الأهوال والشدائد والأفزاع العظيمة والجنة والنار، وبكل ما تضمنه الإيمان باليوم الآخر ووُصِفَ لنا جملة وتفصيلًا.
والتصديق الجازم بأن الله سبحانه يبعث الخلائق يوم القيامة من قبورهم، لمحاسبتهم ومجازتهم على أعمالهم، إلى أن يدخل المؤمنون الأبرار الجنة ويستقرون في منازلهم ودرجاتهم التي أعد الله تكريمًا لهم، ويدخل الفجار أهل النار دار البوار ويستقرون في دركاتها التي أعدها الله لهم جزاءً على أعمالهم.
والإيمان باليوم الآخر، إيمان بالغيب؛ لأنه غيب لم يره أحد، وإنما عُلِمَ بالوحي، فسبيله التصديق الجازم بكل ما ورد في الكتاب والسنة عن اليوم الآخر جملة وتفصيلًا.