للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي: «ليجزي الذين عصوه من خلقه، فأساؤوا بمعصيتهم إياه، فيثيبهم بها النار، {بِالْحُسْنَى} يقول: وليجزي الذين أطاعوه فأحسنوا بطاعتهم إياه في الدنيا بالحسنى وهي الجنة فيثيبهم بها» (١).

٣ - وقد ثبت عيانًا للخلق قاطبة قدرة الله العظيم على خلقهم جميعًا من نفس واحدة، ثم مراحل وأطوار، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥)} [الحج]، فالذي خلق أول مرة ليس بعاجز عن إعادته كما أنشأه أول مرة على غير مثال سابق، بل الإعادة أهون عليه، وهو سبحانه لا يعجزه شيء، قال تعالى {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)} [يس] والمعنى: «يا أيها الناس، إن كنتم في شك من قدرتنا على بعثكم من قبوركم بعد مماتكم وبلاكم استعظامًا منكم لذلك، فإن في ابتدائنا خلق أبيكم آدم -صلى الله عليه وسلم- من تراب ثم إنشائنا لكم من نطفة آدم، ثم تصريفنا أحوالًا حالًا بعد حال من نطفة إلى علقة، ثم من علقة إلى مضغة، لكم معتبرًا ومتعظًا تعتبرون به، فتعلمون أن من قدر على ذلك فغير متعذر عليه إعادتكم بعد فنائكم كما كنتم أحياء قبل الفناء» (٢).

وهذا «كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث بعد ما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب التصديق به» (٣).


(١) تفسير الطبري (٢٢/ ٥٣٢).
(٢) الطبري (١٨/ ٥٦٨).
(٣) روح المعاني للألوسي (٢٣/ ٥٤).

<<  <   >  >>