للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبد قد يثق بالواحد من الناس وهو مع ذلك لا يعتمد عليه لاستغنائه عنه، وقد يعتمد عليه -مع عدم ثقته به- لحاجته إليه، ولعدم من يقوم مقامه فيحتاج إلى اعتماده عليه، مع أنه غير واثق به، ومثل الاستعانة التوكل إذ هو أيضًا يلتئم من هذين الأصلين (الثقة والاعتماد) وهذان الأصلان وهما: التوكل (الاستعانة) من ناحية والعبادة من ناحية أخرى قد اقترنا في القرآن الكريم في مواضع عديدة منها:

١ - قوله سبحانه في الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)}.

٢ - وقوله سبحانه: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ … فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: ١٢٣].

٣ - وقول الله تعالى عن شعيب: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)} [هود].

٤ - وقوله سبحانه: {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (٣٠)} [الرعد].

٥ - وقوله -عز من قائل- في وصف دعاء المؤمنين {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤)} [الممتحنة].

٦ - وقول الله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)} [المزمل: ٨ - ٩].

فهذه ستة مواضع جمع فيها القرآن الكريم بين الأصلين وهما:

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} أي: بين العبادة والاستعانة أو ما في معناها وهو التوكل» (١).

قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى-: «وأما الاستعانة بالله -عز وجل- دون غيره من الخلق، فلأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله -عز وجل-، فمن أعانه الله، فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول، وهذا تحقيق معنى قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإن المعنى لا تحول


(١) مدارج السالكين (١/ ٩٧).

<<  <   >  >>