للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدِّينَ اسْتِعَانَةٌ وَعِبَادَةٌ، فَالتَّوَكُّلُ هُوَ الِاسْتِعَانَةُ، وَالْإِنَابَةُ هِيَ الْعِبَادَةُ.

ومنزلته: أوسع المنازل وأجمعها، ولا تزال معمورة بالنازلين، لسعة متعلق التوكل، وكثرة حوائج العاملين، وعموم التوكل، ووقوعه من المؤمنين والكفار والأبرار والفجار والطير والوحش والبهائم، فأهل السماوات والأرض -المكلفون وغيرهم- في مقام التوكل وإن تباين متعلق توكلهم.

فأولياؤه وخاصته يتوكلون عليه في حصول ما عليه في الإيمان، ونصرة دينه، وإعلاء كلمته، وجهاد أعدائه، وفي محابه، وتنفيذ أوامره.

ودون هؤلاء مَن يتوكل عليه في استقامته في نفسه، وحفظ حاله مع الله، فارغًا عن الناس.

ودون هؤلاء من يتوكل عليه في معلوم يناله منه من رزق، أو عافية، أو نصر على عدو، أو زوجة، أو ولد ونحو ذلك.

ودون هؤلاء من يتوكل عليه في حصول الإثم والفواحش؛ فإن أصحاب هذه المطالب لا ينالونها غالبًا إلا باستعانتهم بالله، وتوكلهم عليه، بل قد يكون توكلهم أقوى من توكل كثير من أصحاب الطاعات، ولهذا يلقون أنفسهم في المتالف والمهالك معتمدين على الله أن يسلمهم، ويظفرهم بمطالبهم.

فأفضل التوكل: التوكل في الواجب؛ أعني: واجب الحق، وواجب الخلق، وواجب النفس.

وأوسعه وأنفعه: التوكل في التأثير في الخارج في مصلحة دينية، أو في دفع مفسدة دينية، وهو توكل الأنبياء في إقامة دين الله، ودفع فساد المفسدين في الأرض، وهذا توكل ورثتهم.

ثم الناس بعدُ في التوكل على حسب هممهم ومقاصدهم؛ فمن متوكل على الله في حصول الْمُلك، ومن متوكل في حصول رغيف.

ومن صَدَقَ توكلُهُ على الله في حصول شيء ناله، فإن كان محبوبًا له مرضيًّا كانت

<<  <   >  >>