للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَقَطَتْ قِيمَةُ الْجَوْدَةِ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا سَوَاءٌ.

وَبِالْإِجْمَاعِ فِيمَنْ بَاعَ قَفِيزًا جَيِّدًا بِقَفِيزٍ رَدِيءٍ وَزِيَادَةِ فَلْسٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلِمَا عُرِفَ أَنَّ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِهَلَاكِهِ فَمَنْفَعَتُهُ فِي ذَاتِهِ وَلَمَّا صَارَتْ أَمْثَالًا بِالْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ لِلْجَوْدَةِ شَرْطًا لَا عِلَّةً لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً

ــ

[كشف الأسرار]

صُورَةً وَمَعْنًى.

قَوْلُهُ (وَسَقَطَتْ قِيمَةُ الْجَوْدَةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تَثْبُتُ حَقِيقَةً بِمَا ذَكَرْتُمْ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَبْقَى تَفَاوُتٌ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فِي الْوَصْفِ بَعْدَ اسْتِوَائِهِمَا قَدْرًا وَجِنْسًا؛ فَإِنَّ الْمَالِيَّةَ الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَزْدَادُ بِالْجَوْدَةِ وَتَنْتَقِصُ بِالرَّدَاءَةِ، وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الْمُمَاثَلَةُ لَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ كَمَا فِي الْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ فَقَالَ هَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ بَقِيَتْ لِلْجَوْدَةِ قِيمَةٌ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا وَلَكِنَّهَا سَقَطَتْ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ سَوَاءٌ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا سَوَاءٌ» وَالْعَيْنُ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ التِّبْرِ، وَقَدْ جَعَلَهُمَا سَوَاءً وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ فَيَكُونُ نَصًّا عَلَى سُقُوطِ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ.

وَبِالْإِجْمَاعِ أَيْ بِدَلَالَتِهِ؛ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِقَفِيزٍ مِنْ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ وَزِيَادَةِ فَلْسٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ إذْ لَوْ بَقِيَتْ الْجَوْدَةُ مُتَقَوِّمَةً لَأَمْكَنَ جَعْلُ الْفَلْسِ فِي مُقَابَلَةِ الْجَوْدَةِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، إذْ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْجَوْدَةِ صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ مَعَ الْأَصْلِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَكَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا، وَلِمَا عُرِفَ وَهُوَ الْوَجْهُ الْمَعْقُولُ أَنَّ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِهَلَاكِهِ فَمَنْفَعَتُهُ فِي ذَاتِهِ لَا فِي أَوْصَافِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِأَوْصَافِهِ مَعَ بَقَاءِ ذَاتِهِ وَالتَّقْوِيمُ لِلْأَشْيَاءِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ مَنَافِعِهَا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِي الْأَوْصَافِ نَفْسِهَا مَنْفَعَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ فَهَدَرٌ وَتَبْقَى الْعِبْرَةُ لِلْعَيْنِ بِخِلَافِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِدُونِ اسْتِهْلَاكِهِ كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا يَتَحَقَّقُ مَعَ بَقَاءِ أَعْيَانِهَا فَتَكُونُ أَوْصَافُهَا مُعْتَبَرَةً وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا إذَا بَاعَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ الْجَيِّدَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ بِمِثْلِهِ رَدِيئًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَمَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِكُرٍّ مِنْ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ؛ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ تَبَرُّعًا حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ كَانَتْ الْجَوْدَةُ سَاقِطَةً عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ لَجَازَ الْبَيْعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلَمْ يُجْعَلْ تَبَرُّعًا فِي الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ بَاعُوا فُلُوسًا جَيِّدَةً رَائِجَةً بِفُلُوسٍ رَدِيئَةٍ رَائِجَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْجَوْدَةَ مُتَقَوِّمَةٌ مَعَ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ قِيمَتُهَا إذَا انْفَرَدَتْ عَنْ الْأَصْلِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ، وَقَدْ حُجِرَ هَؤُلَاءِ عَنْ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ لِأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالتَّصَرُّفِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَنْظَرِ وَالْمُقَابَلَةُ بِالْجِنْسِ طَرِيقٌ لِإِسْقَاطِ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ وَلَيْسَ فِيهِ نَظَرٌ فَأَمَّا الْعَاقِلُ الْبَالِغُ فَمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَصَحَّ مِنْهُ التَّصَرُّفُ النَّافِعُ وَالضَّارُّ جَمِيعًا، وَلِهَذَا نَقُولُ: إذَا اسْتَهْلَكَ عَلَى رَجُلٍ حِنْطَةً جَيِّدَةً يَضْمَنُ مِثْلَهَا جَيِّدَةً؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ إنَّمَا تَسْقُطُ إذَا قُوبِلَ الْجَيِّدُ بِالرَّدِيءِ، وَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِمُقَابَلَتِهِ بِالرَّدِيءِ حَتَّى لَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ سَقَطَ حَقُّهُ أَيْضًا.

١ -

قَوْلُهُ (وَلَمَّا صَارَتْ) أَيْ الْأَمْوَالُ الْمَذْكُورَةُ أَمْثَالًا بِالْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ شَرْطًا أَيْ لِصَيْرُورَتِهَا أَمْثَالًا يَعْنِي لِتَحَقُّقِ التَّسْوِيَةِ؛ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ التَّسْوِيَةَ كَيْلًا بِكَيْلٍ احْتِرَازًا عَنْ الْفَضْلِ الْحَرَامِ وَلَنْ يَحْصُلَ التَّسْوِيَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَّا بِسُقُوطِ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا بِطَرِيقِ الشَّرْطِ لِتَحَقُّقِ التَّسْوِيَةِ لَا عِلَّةً يَعْنِي لَمْ يَجْعَلْ سُقُوطَ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ مِنْ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ كَالْقَدْرِ وَالْجِنْسِ لِأَنَّ سُقُوطَ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهَا وَالْعَدَمُ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِأَمْرٍ وُجُودِيٍّ إذْ الْوُجُودُ لَا يَصْلُحُ أَثَرًا لِلْعَدَمِ وَنَتِيجَةً لَهُ فَلَا يَصْلُحُ التَّمَاثُلُ الَّذِي هُوَ وُجُودِيٌّ أَثَرًا لِعَدَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>