صَارَتْ الْمُمَاثَلَةُ ثَابِتَةً بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ وَصَارَ سَائِرُ الْأَعْيَانِ فَضْلًا عَلَى هَذَيْنِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِالْكَيْلِ وَالْجِنْسِ بِوَاسِطَةِ الْمُمَاثَلَةِ فَصَارَ شَرْطَ شَيْءٍ مِنْهَا فِي الْبَيْعِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخَمْرِ فَفَسَدَ بِهِ الْبَيْعُ فَهَذَا أَيْضًا مَعْقُولٌ مِنْ هَذَا النَّصِّ لَيْسَ بِثَابِتٍ بِالرَّأْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَعْدُ إلَّا الِاعْتِبَارُ، وَهُوَ أَنَّا وَجَدْنَا الْأَرُزَّ وَالْجِصَّ وَالدَّخَنَ وَسَائِرَ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً فَكَانَ الْفَضْلُ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا فَضْلًا خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ مِثْلُ حُكْمِ النَّصِّ بِلَا تَفَاوُتٍ فَلَزِمَنَا إثْبَاتُهُ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ، وَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَمْثِلَةِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ افْتِرَاقٌ وَحَصَلَ بِمَا قُلْنَا إثْبَاتُ الْأَحْكَامِ بِظَوَاهِرِهَا تَصْدِيقًا وَإِثْبَاتُ مَعَانِيهَا طُمَأْنِينَةً
ــ
[كشف الأسرار]
تَقَوُّمِ الْجَوْدَةِ فَيُجْعَلُ سُقُوطُ التَّقَوُّمِ شَرْطًا لَا عِلَّةً صَارَتْ الْمُمَاثَلَةُ جَوَابُ لَمَّا ثَابِتَةً بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ أَيْ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ بِالْكَيْلِ وَالْجِنْسِ بِوَاسِطَةِ الْمُمَاثَلَةِ، الْبَاءُ الْأُولَى مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُتَمَاثِلِينَ وَالثَّانِيَةُ بِصَارَ أَيْ صَارَ سَائِرُ الْأَعْيَانِ فَضْلًا بِوَاسِطَةِ ثُبُوتِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ بِالْكَيْلِ وَالْجِنْسِ فَصَارَ شَرْطُ شَيْءٍ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْأَعْيَانِ فِي الْبَيْعِ أَيْ فِي بَيْعِ الْمُتَجَانِسَيْنِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخَمْرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ حَرَامٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُفَوِّتٌ لِلْمُمَاثَلَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْأَمْرِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَبْطُلُ مَا ذَكَرْتُمْ بِمَا إذَا بَاعَ جَوْزَةً بِجَوْزَتَيْنِ أَوْ بَيْضَةً بِبَيْضَتَيْنِ حَيْثُ يَجُوزُ، وَإِنْ جُعِلَتْ هَذِهِ الْأَمْوَالُ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةَ الْمَالِيَّةِ قَطْعًا بِالْعَدَدِ وَالْجِنْسِ كَالْمَكِيلَاتِ بِالْكَيْلِ وَالْجِنْسِ وَالْمَوْزُونَاتِ بِالْوَزْنِ وَالْجِنْسِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْمِثْلِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا عَدَدًا مَعَ التَّفَاوُتِ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَدَدَ يَجْعَلُهَا أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةَ الْمَالِ قَطْعًا بِخِلَافِ الْكَيْلِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ قَدْرًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِيهِ تَفَاوُتٌ فَيَظْهَرُ الْفَضْلُ ضَرُورَةً حَتَّى لَوْ أَوْجَبَ الْعَدَدُ التَّسْوِيَةَ قَطْعًا اُعْتُبِرَ عِلَّةً مُوجِبَةً لِلتَّسْوِيَةِ أَيْضًا كَمَا فِي الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ؛ فَإِنَّهَا لَمَّا صَارَتْ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً قَطْعًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَجْرِي فِيهَا الْمُمَاكَسَةُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ أَمْثَالًا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ مَعَ قِيَامِ التَّفَاوُتِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ قَدْ تَحَقَّقَ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْعُدْوَانِ وَاجِبٌ وَالتَّفَاوُتُ فِي الْقِيمَةِ أَكْثَرُ فَلَوْ لَمْ نَتَحَمَّلْ هَذَا التَّفَاوُتَ لَوَقَعْنَا فِي تَفَاوُتٍ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَهُوَ تَفَاوُتُ الْقِيمَةِ وَالسَّلَمُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ فَسُوهِلَ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ السَّلَمَ يَصِحُّ فِي الثِّيَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَلَا مَحَلًّا لِلرِّبَا، كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْغَرِيَّةِ فَهَذَا أَيْ كَوْنُ الدَّاعِي إلَى الْحُكْمِ هُوَ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ مَعْنًى مَعْقُولٌ أَيْ مَفْهُومٌ مِنْ هَذَا النَّصِّ؛ فَإِنَّ.
قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ» يُشِيرُ إلَى الْجِنْسِيَّةِ وَقَوْلُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ يُشِيرُ إلَى الْقَدْرِ لَيْسَ بِثَابِتٍ بِالرَّأْيِ يَعْنِي ابْتِدَاءً بَلْ هُوَ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ النَّصِّ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَعْدُ أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ أَنَّ حُكْمَ النَّصِّ وُجُوبُ التَّسْوِيَةِ وَالْمَعْنَى الدَّاعِي إلَيْهِ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ إلَّا الِاعْتِبَارُ، وَهُوَ أَيْ الِاعْتِبَارُ أَيُّ طَرِيقُهُ كَذَا مِثْلُ حُكْمِ النَّصِّ بِلَا تَفَاوُتٍ أَيْ مِثْلُ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِهِمَا فَلَزِمَنَا إثْبَاتُهُ أَيْ إثْبَاتُ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ، وَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا أَيْ هَذَا الِاعْتِبَارُ مِثْلُ الِاعْتِبَارِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ الْأَمْثِلَةِ أَيْ فِي الْأَمْثِلَةِ أَوْ هَذَا الْمِثَالُ الَّذِي فِي صِحَّةِ الِاعْتِبَارِ مِثْلُ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الْمَثُلَاتُ وَالِاسْتِعَارَاتُ لَيْسَ بَيْنَ تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَرْقٌ؛ فَإِنَّ التَّأَمُّلَ فِي إشَارَاتِ نُصُوصِ الْمَثُلَاثِ لِتُعْرَفَ الْمَعَانِي الدَّاعِيَةُ إلَى وُقُوعِهَا لِأَجْلِ الِاعْتِبَارِ وَالتَّأَمُّلَ فِي حَقَائِقِ اللُّغَةِ لِاسْتِعَارَتِهَا لِغَيْرِهَا، مِثْلُ التَّأَمُّلِ فِي إشَارَاتِ حَدِيثِ الرِّبَا وَأَمْثَالِهِ لِتُعْرَفَ الْمَعَانِي الدَّاعِيَةُ إلَى الْحُكْمِ لِأَجْلِ الِاعْتِبَارِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ.
١ -
قَوْلُهُ (وَحَصَلَ بِمَا قُلْنَا) لَمَّا فَرَغَ مِنْ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَاسِ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ كَلِمَاتِ الْخُصُومِ فَقَالَ: حَصَلَ بِمَا قُلْنَا مِنْ جَوَازِ الْقِيَاسِ اعْتِقَادُ حَقِّيَّةَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصَةِ بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ أَيْ بِنَفْسِهَا وَنَظْمِهَا. وَطُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ وَشَرْحُ الصَّدْرِ بِإِثْبَاتِ مَعَانِيهَا؛ فَإِنَّ الْقَلْبَ يَطْمَئِنُّ بِالْوُقُوفِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute