وَتَعْيِينُ الْآخَرِ وَاجِبٌ طَلَبًا لِلِاسْتِوَاءِ بَيْنَهُمَا احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْفَضْلِ الَّذِي هُوَ رِبًا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» وَقَدْ وَجَدْنَا هَذَا الْحُكْمَ مُتَعَدِّيًا عَنْهُ حَتَّى
ــ
[كشف الأسرار]
عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ الَّذِي هُوَ نَسِيئَةٌ بِنَسِيئَةٍ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الرِّبَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» .
وَتَعْيِينُ الْأُخْرَى أَيْ وُجُوبُ تَعْيِينِ الْبَدَلِ الْآخَرِ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، وَهُوَ الصَّرْفُ لِطَلَبِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فِي الْعَيْنِيَّةِ، فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَدْرِ الْعَيْنِيَّةِ شَرْطٌ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ بِقَوْلِهِ: مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْمُسَاوَاةُ فِي الْعَيْنِيَّةِ شَرْطٌ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ
وَقَوْلُهُ طَلَبًا لِلتَّسْوِيَةِ مُتَعَلِّقٌ بِوَاجِبٍ وَقَوْلُهُ: احْتِرَازٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَجْمُوعِ، أَوْ بِقَوْلِهِ: طَلَبًا وَهُوَ أَظْهَرُ وَإِنَّمَا وَجَبَ تَحْصِيلُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْعَيْنِيَّةِ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْفَضْلِ الَّذِي هُوَ رِبًا فَإِنَّ الْعَيْنَ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ حَالًّا؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ أَدَاءُ الزَّكَاةِ الْعَيْنِ مِنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِهِ: إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَعَبْدُهُ حُرٌّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَيْنٌ، وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ كَمَا وَجَبَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقَدْرِ احْتِرَازًا عَنْ حَقِيقَةِ الْفَضْلِ فَثَبَتَ أَنَّ وُجُوبَ التَّعَيُّنِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّبَا كَوُجُوبِ الْمُسَاوَاةِ وَقَدْ وَجَدْنَا هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ وُجُوبُ التَّعْيِينِ مُتَعَدِّيًا عَنْ هَذَا الْأَصْلِ إلَى الْفُرُوعِ حَتَّى شَرَطَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَاخْتِلَافِهِ لِيَحْصُلَ التَّعْيِينُ كَمَا شَرَطْنَاهُ جَمِيعًا فِي بَدَلَيْ الصَّرْفِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَاخْتِلَافِهِ لِذَلِكَ.
وَقُلْنَا جَمِيعًا فِيمَنْ اشْتَرَى حِنْطَةً بِعَيْنِهَا بِشَعِيرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ غَيْرِ مَقْبُوضٍ فِي الْمَجْلِسِ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا؛ لِأَنَّ بِتَرْكِ التَّعْيِينِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ بِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْيَدِ كَمَا لَوْ بَاعَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ وَلَمْ يَقْبِضْ أَحَدَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ وَإِنَّمَا قَالَ حَالًّا غَيْرَ مُؤَجَّلٍ لِيَكُونَ وَجْهُ الْجَوَازِ ظَهَرَ يَعْنِي مَعَ كَوْنِهِ حَالًّا مَوْصُوفًا لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ لِمَا قُلْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ تَعَيُّنِ الْبَدِيلِ طَلَبًا لِلْمُسَاوَاةِ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْفَضْلِ وَوَجَبَ تَعْيِينُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ يَعْنِي بِالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَثْمَانِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ أَبَدًا يَكُونُ دَيْنًا وَرَأْسُ الْمَالِ فِي الْأَغْلَبِ هُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ، وَأَنَّهَا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَشَرَطْنَا الْقَبْضَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّعْيِينُ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ ثُمَّ لَوْ كَانَ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بِدُونِ الْقَبْضِ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ أَيْضًا، وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّعْيِينِ
دَفْعًا
لِحَرَجِ التَّمْيِيزِ عَنْ الْعَوَامّ وَإِلْحَاقًا لِلْفَرْدِ بِالْأَغْلَبِ فَيَثْبُتُ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ قَدْ تَعَدَّى إلَى الْفُرُوعِ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِلتَّعَدِّي إلَّا وُجُودُ حُكْمِ النَّصِّ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَعَدَمُ اقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ إذَا ثَبَتَ التَّعَدِّي فِي ذَلِكَ أَيْ فِي حُكْمِ التَّعْيِينِ ثَبَتَ أَنَّهُ أَيْ النَّصَّ مَعْلُولٌ فَلَا يُعَدَّى بِلَا تَعْلِيلٍ أَيْ الْحُكْمُ لَا يُعَدَّى إلَى الْفَرْعِ بِلَا تَعْلِيلِ الْأَصْلِ بِالْإِجْمَاعِ، وَثَبَتَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّعَدِّي بِعِلَّةٍ مُتَعَدِّيَةٍ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ قَدْ صَحَّ هَا هُنَا، وَلَمْ يَكُنْ الثَّمَنِيَّةُ مَانِعَةً وَإِذَا ثَبَتَ فِيهِ أَيْ ثَبَتَ لِلتَّعْلِيلِ هَذَا النَّصُّ فِي تَعَدِّي حُكْمِ التَّعْيِينِ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الصُّوَرِ، وَلَمْ يَكُنْ الثَّمَنِيَّةُ مَانِعَةً مِنْهُ ثَبَتَ تَعْلِيلُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْ فِيمَا تَنَازَعْنَا فِيهِ وَهُوَ تَعَدِّي وُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ إلَى سَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّهُ هُوَ بِعَيْنِهِ أَيْ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لِوُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ عَيْنُ التَّعْلِيلِ لِتَعَدِّي حُكْمِ التَّعْيِينِ فَإِنَّ تَعَدِّيَ وُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّبَا كَمَا أَنَّ تَعَدِّيَ وُجُوبِ التَّعْيِينِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّبَا أَيْضًا بَلْ رِبَا الْفَضْلِ أَثْبَتُ مِنْهُ أَيْ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ يَعْنِي رِبَا الْفَضْلِ الَّذِي بُنِيَ تَعَدِّي وُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ عَلَيْهِ أَسْرَعُ ثُبُوتًا مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ الَّذِي بُنِيَ تَعَدِّي التَّعْيِينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute