للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ بِالنَّصِّ صَارَ التَّعْلِيلُ مُبْطِلًا لَهُ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَارِضُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ حَاجَتَنَا إلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ، فَإِذَا جَاءَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ لَمْ يَصِحَّ إثْبَاتُهُ بِهِ كَالنَّصِّ النَّافِي لَا يَصْلُحُ لِلْإِثْبَاتِ

ــ

[كشف الأسرار]

التَّجَاوُزُ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَوْصَافِ، وَلَوْ ثَبَتَ يَلْزَمُ مِنْهُ خُلُوُّ مَحَلِّ النَّصِّ عَنْ الْحُكْمِ؛ إذْ الشَّيْءُ لَا يَثْبُتُ فِي مَحَلَّيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَثَالِثُهَا أَنَّ اشْتِرَاطَ تَعَدِّي حُكْمِ النَّصِّ بِعَيْنِهِ يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الْقِيَاسِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ شَرْطًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ النَّصِّ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» حُرْمَةُ الْفَضْلِ عَلَى الْكَيْلِ فِي الْحِنْطَةِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِي الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفَضْلِ عَلَى الْكَيْلِ فِي الْجِصِّ وَالْأُرْزِ مَثَلًا غَيْرُ حُرْمَةِ الْفَضْلِ فِي الْحِنْطَةِ.

وَأُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ عِنْدَ مَنْ أَنْكَرَ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ الِاعْتِبَارُ بِالْقَوَاعِدِ الْمَعْلُومَةِ فِي الشَّرْعِ فِي نَظَائِرِهِ لَوْ لَمْ يَرِدْ النَّصُّ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ فَكَانَ وُرُودُ النَّصِّ بِهِ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّعَدِّي ثُبُوتُ مِثْلِ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ وَالْفَسَادُ وَالْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ فِي الْفَرْعِ وَعَدَمُ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْأَصْلِ لَا التَّعَدِّي الَّذِي يُوجَدُ فِي الْأَجْسَامِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تَعَدِّي عَيْنِ الْحُكْمِ تَعَدِّي مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ، وَمِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمَحَلِّ فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ تَعَدِّيَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ إلَى الْفَرْعِ لَمْ يُرِدْ بِهِ عَيْنَ ذَلِكَ الْحُكْمِ مُتَقَيِّدًا بِذَلِكَ الْمَحَلِّ بَلْ أَرَادَ تَعَدِّيَ مِثْلِهِ إلَى الْفَرْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْدِثَ بِالتَّعْلِيلِ فِيهِ تَغْيِيرًا مِثْلَ تَعْدِيَةِ حُكْمِ نَصِّ الرِّبَا إلَى الْفُرُوعِ، فَإِنَّا قَدْ عَرَفْنَا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أَوْ بِدَلِيلٍ اجْتِهَادِيٍّ أَنَّ حُكْمَ النَّصِّ حُرْمَةُ الْفَضْلِ عَلَى الْكَيْلِ مُطْلَقَةً لَا حُرْمَةُ الْفَضْلِ عَلَى الْكَيْلِ فِي الْحِنْطَةِ تَعَدَّيْنَاهُ إلَى الْجِصِّ، وَالْأُرْزِ بِعِلَّةِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ فَكَانَ هَذَا تَعْدِيَةَ حُكْمِ النَّصِّ بِعَيْنِهِ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ فَكَانَ صَحِيحًا بِخِلَافِ تَعْدِيَةِ صِحَّةِ ظِهَارِ الْمُسْلِمِ إلَى ظِهَارِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلْحُرْمَةِ الْمُتَنَاهِيَةِ فِي الْأَصْلِ إلَى إطْلَاقِهَا فِي الْفَرْعِ فَكَانَ فَاسِدًا

قَوْلُهُ: (أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ اشْتِرَاطُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الضَّمِيرَ لِلشَّأْنِ مَتَى ثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ أَيْ يُفْرَدُ الْأَصْلُ بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ صَارَ التَّعْلِيلُ لِتَعْدِيَتِهِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مُبْطِلًا لَهُ أَيْ لِلِاخْتِصَاصِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ.

وَذَلِكَ أَيْ التَّعْلِيلُ الْمُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حُكْمِ النَّصِّ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ أَيْ التَّعْلِيلَ أَوْ الْقِيَاسَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ لِدَفْعِ حُكْمِهِ بِوَجْهٍ

وَأَمَّا الثَّانِي أَيْ اشْتِرَاطُ الشَّرْطِ الثَّانِي، وَهُوَ كَوْنُهُ غَيْرَ مَعْدُولٍ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فَلِأَنَّ حَاجَتَنَا إلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَرُدُّ هَذَا الْحُكْمَ وَيَقْتَضِي عَدَمَهُ فَلَا يَسْتَقِيمُ إثْبَاتُهُ بِهِ كَالنَّصِّ إذَا وَرَدَ نَافِيًا لِحُكْمٍ لَا يَسْتَقِيمُ إثْبَاتُهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَافِيًا وَمُثْبِتًا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ

وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ ذَكَرَ فِي تَصْنِيفٍ لَهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّهُ اشْتَهَرَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَعْدُولَ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَكِنَّهُ إلَى تَفْصِيلٍ فَنَقُولُ: الْخَارِجُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: مَا اُسْتُثْنِيَ وَخُصِّصَ عَنْ قَاعِدَةٍ وَلَمْ يُعْقَلْ فِيهِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَتَخْصِيصِ أَبِي بُرْدَةَ بِجَوَازِ تَضْحِيَةِ الْعَتَاقِ وَتَخْصِيصِ خُزَيْمَةَ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَحْدَهُ.

وَثَانِيهَا: مَا شُرِعَ ابْتِدَاءً وَلَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ لِتَعَذُّرِ الْعِلَّةِ، وَتَسْمِيَتُهُ مَعْدُولًا عَنْ الْقِيَاسِ وَخَارِجًا عَنْهُ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ عُمُومُ قِيَاسٍ، وَلَا اُسْتُثْنِيَ حَتَّى يُسَمَّى خَارِجًا عَنْ الْقِيَاسِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُنْقَاسًا لِعَدَمِ تَعَقُّلِ عِلَّتِهِ وَمِثَالُهُ أَعْدَادُ الرَّكَعَاتِ وَنُصُبُ الزَّكَاةِ، وَمَقَادِيرُ الْحُدُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>