للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ ثَبَتَ لِلْمَنَافِعِ حُكْمُ التَّقَوُّمِ وَالْمَالِيَّةِ فِي بَابِ عُقُودِ الْإِجَارَةِ بِالنَّصِّ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ الْمَعْقُولِ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ وَالتَّمَوُّلَ يَعْتَمِدُ الْوُجُودَ لِيَصْلُحَ الْإِحْرَازُ وَالتَّقَوُّمُ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِدَالِ الْمَعَانِي وَبَيْنَ الْعَيْنِ وَالْمَنَافِعِ تَفَاوُتٌ فِي نَفْسِ الْوُجُودِ فَلَا يَصِحُّ إبْطَالُ الْخُصُوصِ بِالتَّعْلِيلِ.

ــ

[كشف الأسرار]

{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٠] وَالْخَالِصَةُ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ كَ وَعْدَ اللَّهِ وَنَظِيرُهَا الْعَافِيَةُ وَالْكَاذِبَةُ وَالْخَاطِئَةُ أَيْ خَلَصَ لَك انْعِقَادُ النِّكَاحِ بِالْهِبَةِ خُلُوصًا فَلَمْ يَجُزْ إبْطَالُ هَذَا الِاخْتِصَاصِ بِالتَّعْلِيلِ لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إلَى نِكَاحِ غَيْرِهِ، (وَقُلْنَا) : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْخُلُوصِ مَا قُلْت بَلْ الْمُرَادُ اخْتِصَاصُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِسَلَامَتِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ أَيْ مَهْرٍ، وَالْمَعْنَى قَدْ خَلَصَ لَك إحْلَالُ الْمَوْهُوبَةِ بِغَيْرِ بَدَلٍ خُلُوصًا.

وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - قَالَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: ٥٠] أَيْ مُهُورَهُنَّ وَسَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٠] فَكَانَ فِيهِ بَيَانُ الْمِنَّةِ عَلَيْهِ فِي كِلَا النَّوْعَيْنِ مِنْ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ - تَعَالَى - قَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: ٥٠] يَعْنِي فَرَضْنَا الْمَهْرَ عَلَيْهِمْ وَأَحْلَلْنَا لَك بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَقَالَ {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} [الأحزاب: ٥٠] اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: خَالِصَةً لَك أَيْ خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَيْك بِضِيقٍ فِي أَمْرِ النِّكَاحِ، وَالْحَرَجُ إنَّمَا يَلْحَقُ النَّاسَ فِي لُزُومِ الْمَهْرِ فَأَمَّا فِي الْعُدُولِ مِنْ لَفْظٍ إلَى لَفْظٍ فَلَا حَرَجَ خُصُوصًا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ.

وَالْمُرَادُ اخْتِصَاصُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ لَا تَحِلَّ مَنْكُوحَتُهُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَالْمَعْنَى خَلَصَ إحْلَالُ مَا أَحْلَلْنَا لَك مِنْ النِّسَاءِ خُلُوصًا حَتَّى لَا يَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدَك فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَتَأَذَّى بِأَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ شَرِيكًا لَهُ فِي فِرَاشِهِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ، وَعَلَيْهِ دَلَّ عَلَى قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: ٥٣] وَقَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] وَهَذَا أَيْ الِاخْتِصَاصُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا مِمَّا يُعْقَلُ كَرَامَةً فَأَمَّا الِاخْتِصَاصُ بِاللَّفْظِ فَلَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ لَا تَخْتَصُّ بِأَحَدٍ بَلْ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَوُجُوهِ الْكَلَامِ سَوَاءٌ، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَفِي اخْتِصَاصِهِ بِمَعْنَى أَوْ وَلَفْظَةُ فِي أَوْ لَفْظَةُ اخْتِصَاصِهِ فِي قَوْلِهِ وَفِي اخْتِصَاصِهِ زَائِدَةٌ، وَلَوْ قِيلَ وَاخْتِصَاصُهُ بِأَنْ لَا يَحِلَّ أَوْ قِيلَ: وَفِي أَنْ لَا يَحِلَّ أَحَدٌ بَعْدَهُ لَكَانَ أَحْسَنَ

قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ ثَبَتَ لِلْمَنَافِعِ) أَيْ وَكَمَا ثَبَتَ جَوَازُ السَّلَمِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مُخْتَصًّا بِهِ ثَبَتَ لِلْمَنَافِعِ الْمَعْدُومَةِ حُكْمُ التَّقَوُّمِ وَالْمَالِيَّةِ فِي بَابِ عُقُودِ الْإِجَارَةِ أَيْ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا بِالنَّصِّ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٥] فِي حَقِّ الْأَظْآرِ وقَوْله تَعَالَى إخْبَارًا {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] .

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَعْطُوا الْأَجِيرَ حَقَّهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» الْحَدِيثَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ الْمَعْقُولِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَحَلَّ الْبَيْعِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَمْلُوكٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَالتَّقَوُّمِ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْوُجُودَ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ، وَأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ، وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فَضْلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مُحْرَزَةً وَبَعْدَ مَا وُجِدَتْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ التَّقَوُّمِ لَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِدَالِ الْمَعَانِي يُقَالُ: قِيمَةُ هَذَا الثَّوْبِ كَذَا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَيْ يُعَادِلُ هَذَا الثَّوْبُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْمَالِيَّةُ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ فِي نَفْسِ الْوُجُودِ لِيُمْكِنَ بَعْدَهَا إثْبَاتُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَعْنَى، وَبَيْنَ الْعَيْنِ وَالْمَنَافِعِ تَفَاوُتٌ فِي نَفْسِ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ جَوْهَرٌ يَبْقَى وَيَقُومُ بِهِ الْعَرْضُ، وَالْمَنْفَعَةُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى وَيَقُومُ بِالْجَوْهَرِ وَبَيْنَ مَا يَبْقَى وَيَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ وَبَيْنَ مَا لَا يَبْقَى وَيَقُومُ بِغَيْرِهِ تَفَاوُتٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>