للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِثَالُ الثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ أَنَّ أَكْلَ النَّاسِي مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ، وَهُوَ فَوَاتُ الْقِيَاسِ، وَهُوَ فَوَاتُ الْقُرْبَةُ بِمَا يُضَادُّ رُكْنَهَا هُوَ الْقِيَاسُ الْمَحْضُ، وَثَبَتَ حُكْمُ النِّسْيَانِ بِالنَّصِّ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لَا مَخْصُوصًا مِنْ النَّصِّ فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ لِلْقِيَاسِ وَهُوَ مَعْدُولٌ عَنْهُ فَيَصِيرُ التَّعْلِيلُ حِينَئِذٍ لِضِدِّ مَا وُضِعَ لَهُ

ــ

[كشف الأسرار]

فَاحِشٌ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمُعَادَلَةِ بَيْنَهُمَا مَعْنَى كَمَا لَا يُمْكِنُ صُورَةً إلَّا أَنَّهُ تَثْبُتُ تَقَوُّمُهَا بِالنَّصِّ فِي بَابِ الْعُقُودِ غَيْرِ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَيَكُونُ مُخْتَصًّا بِهِ كَاخْتِصَاصِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِخُزَيْمَةَ وَجَوَازِ السَّلَمِ فِي الْمُؤَجَّلِ فَلَا يَصِحُّ إبْطَالُ هَذَا الْخُصُوصِ بِالتَّعْلِيلِ وَالتَّعْدِيَةِ إلَى الْإِتْلَافِ وَالْغَصْبِ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ ثُمَّ إيرَادُ هَذَا الْمِثَالِ.

وَإِنْ كَانَ أَلْيَقَ بِالشَّرْطِ الثَّانِي لِكَوْنِهِ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ إلَّا أَنَّ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ لِمَا كَانَ تَأْخِيرًا وَارْتِبَاطًا جَازَ إيرَادُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَإِنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى مَخْصُوصٌ بِحُكْمِهِ عَنْ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ بِنَصٍّ آخَرَ يُخَالِفُهَا؛ فَلِذَلِكَ أَوْرَدَهُ هَا هُنَا.

قَوْلُهُ: (وَمِثَالُ الثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ) وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ أَنَّ أَكْلَ النَّاسِي أَيْ حُكْمَ أَكْلِ النَّاسِي لِلصَّوْمِ وَهُوَ بَقَاءُ الصَّوْمِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْأَكْلِ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ يُوجِبُ أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَبْقَى مَعَ مَا يُضَادُّهُ، وَالْأَكْلُ يُضَادُّ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْكَفِّ الْوَاجِبِ فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُعْدِمَ الْفِعْلَ الْمَوْجُودَ وَلَا يُوجِدَ الْفِعْلَ الْمَعْدُومَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ نَاسِيًا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ ذَاكِرًا، وَلَوْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الصَّلَاةِ نَاسِيًا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ كَمَا لَوْ تَرَكَهُ ذَاكِرًا فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلنِّسْيَانِ فِي إعْدَامِ الْمَوْجُودِ وَإِيجَادِ الْمَعْدُومِ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ أَوْ الْحَجَّ أَوْ الزَّكَاةَ نَاسِيًا لَا يُجْعَلُ مُؤَدِّيًا بِحَالٍ إلَّا أَنَّ حُكْمَ النِّسْيَانِ، وَهُوَ كَوْنُهُ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي الْإِفْسَادِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَهُوَ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِذَلِكَ الْأَعْرَابِيِّ تِمَّ عَلَى صَوْمِك فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك» مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لَا مَخْصُوصًا مِنْ النَّصِّ.

زَعَمَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُ النَّاسِي؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَاتَ عَنْهُ بِالنِّسْيَانِ وَكَذَا عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ» يَقْتَضِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ النَّاسِيَ خُصَّ مِنْ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَالْمَخْصُوصُ مِنْ النَّصِّ يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ فَيُعَلَّلُ بِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْمُخْطِئُ وَالْمُكْرَهُ وَالنَّائِمُ الَّذِي صُبَّ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ فَقَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا كَانَ دَاخِلًا فِي الْعُمُومِ ثُمَّ يَخْرُجُ بِالْمُخَصَّصِ فِي تَعْلِيلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَك وَسَقَاك إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّاسِيَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ هُوَ تَارِكًا لِلْكَفِّ بِالْأَكْلِ بَلْ هُوَ كَانَ كَمَا كَانَ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا تَخْصِيصًا بَلْ هُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا قُلْنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَا مَخْصُوصًا مِنْ النَّصِّ رَدًّا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِبَقَاءِ صَوْمِ النَّاسِي كَرَامَةً لَهُ مَعَ فَوَاتِ رُكْنِهِ فَكَانَ النَّاسِي مَخْصُوصًا بِهَذَا الْحُكْمِ كَخُزَيْمَةَ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَجُزْ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ التَّخْصِيصِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ؛ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إلْحَاقُ الْغَيْرِ بِهِ قِيَاسًا وَلَا دَلَالَةً وَقَدْ أُلْحِقَ غَيْرُ الْأَعْرَابِيِّ بِهِ وَأُلْحِقَ الْجِمَاعُ نَاسِيًا بِالْأَكْلِ بِالِاتِّفَاقِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ أَيْ تَعْلِيلُ ذَلِكَ النَّصِّ أَوْ الْحُكْمِ لِيُقَاسَ عَلَيْهِ، وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فَيَصِيرُ التَّعْلِيلُ بِالنَّصْبِ أَيْ يَصِيرُ التَّعْلِيلُ حِينَئِذٍ لِضِدِّ مَا وُضِعَ لَهُ أَيْ وُضِعَ الْحُكْمُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وُضِعَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لِيَقْتَصِرَ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>