للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا الْحُكْمُ فِي مُوَاقَعَةِ النَّاسِي بِالتَّعْلِيلِ بَلْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي قِيَامِ الرُّكْنِ بِالْكَفِّ عَنْهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ لُغَةً أَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ جَانٍ عَلَى الصَّوْمِ وَلَا عَلَى الطَّعَامِ فَكَانَ الْجِمَاعُ مِثْلَهُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ عَلَى مَا مَرَّ

ــ

[كشف الأسرار]

ثَبَتَ فِيهِ فَلَوْ عُلِّلَ وَعُدِّيَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ يَكُونُ التَّعْلِيلُ لِضِدِّ مَا وُضِعَ الْحُكْمُ لَهُ؛ إذْ التَّعَدِّي ضِدُّ الِاقْتِصَارِ، أَوْ الضَّمِيرُ فِي وُضِعَ لِلْقِيَاسِ أَيْ يَصِيرُ التَّعْلِيلُ حَالَ كَوْنِهِ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لِضِدِّ مَا وُضِعَ الْقِيَاسُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْفِطْرِ وَانْتِفَاءَ الصَّوْمِ فِي هَذَا الصُّورَةِ كَمَا قُلْنَا فَالتَّعْلِيلُ لِبَقَاءِ الصَّوْمِ وَتَعْدِيَتِهِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ يَكُونُ لِضِدِّ مَا وُضِعَ الْقِيَاسُ لَهُ؛ لِأَنَّ انْتِقَاءَ الصَّوْمِ مَعَ بَقَائِهِ ضِدَّانِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ ضِدُّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِالنَّصِّ النَّافِي لَهُ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ هَذَا الْحُكْمُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ بَقَاءَ صَوْمِ النَّاسِي بِاعْتِبَارِ صَيْرُورَةِ الْأَكْلِ مَعْدُومًا لِعَدَمِ الْقَصْدِ مَعْقُولٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ الْمُخْطِئُ وَالْمُكْرَهُ وَغَيْرُهُمَا.

قُلْنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِعَدَمِ الْقَصْدِ فِي إيجَادِ الْمَعْدُومِ وَإِعْدَامِ الْمَوْجُودِ كَمَا قُلْنَا فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مَحَلٌّ لِلْقِيَاسِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ الْمُخْطِئِ وَالْمُكْرَهِ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا الْحُكْمُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ حُكْمَ هَذَا النَّصِّ قَدْ تَعَدَّى بِالتَّعْلِيلِ إلَى الْجِمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَالَ: لَمْ يَثْبُتْ هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ بَقَاءُ الصَّوْمِ فِي مُوَاقَعَةِ النَّاسِي بِالتَّعْلِيلِ بَلْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ وَالْجِمَاعَ سَوَاءٌ فِي قِيَامِ الرُّكْنِ وَهُوَ الصَّوْمُ بِالْكَفِّ عَنْهُمَا لِثُبُوتِهِمَا بِخِطَابٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] بَعْدَ قَوْلِهِ {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: ١٨٧] أَيْ أَتِمُّوا الْكَفَّ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ إلَى اللَّيْلِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْجِمَاعِ اخْتِصَاصٌ، وَكَانَ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي بَعْضِهَا وَارِدًا فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ إذَا ثَبَتَ لَهُ حُكْمٌ يَثْبُتُ لِلْآخَرِ أَيْضًا ضَرُورَةَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا؛ إذْ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَاخْتَلَفَا فَيَثْبُتُ عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ حَالَةَ الْمُسَاوَاةِ، وَهُوَ فَاسِدٌ.

وَلَا يُقَالُ: إنَّ الصَّلَاةَ وَجَبَتْ بِنَصٍّ وَاحِدٍ ثُمَّ التَّفَاوُتُ فِي الْأَرْكَانِ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ رُكْنٍ ثَبَتَ بِنَصٍّ عَلَى حِدَةٍ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] ، {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧] فَيَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَالْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ ثَبَتَ بِنَصٍّ وَاحِدٍ وَلَمْ يَخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَصٍّ عَلَى حِدَةٍ وَنَظِيرُهُمَا الِاغْتِسَالُ وَالتَّوَضُّؤُ فَإِنَّ الِاغْتِسَالَ لَمَّا ثَبَتَ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] جُعِلَتْ الْأَعْضَاءُ كُلُّهَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ حَتَّى جَازَ غَسْلُ عُضْوٍ بِبَلَلِ عُضْوٍ آخَرَ وَفِي التَّوَضُّؤِ لَمَّا اخْتَصَّ كُلُّ عُضْوٍ بِأَمْرٍ عَلَى حِدَةٍ جُعِلَ كُلُّ عُضْوٍ مُنْفَرِدًا عَنْ الْآخَرِ حَتَّى لَمْ يَجُزْ غَسْلُ الْيَدِ بِبَلَلِ الْوَجْهِ وَغَسْلُ الرِّجْلِ بِبَلَلِ الْيَدِ ثُمَّ اسْتَوْضَحَ ثُبُوتَهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ بِقَوْلِهِ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ لُغَةً: أَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ جَانٍ يَعْنِي مَنْ سَمِعَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتِمَّ عَلَى صَوْمِك وَمِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَقِيهًا كَانَ أَوْ غَيْرَ فَقِيهٍ يَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ بَقَاءَ الصَّوْمِ وَالْأَمْرَ بِالْإِتْمَامِ بَعْدَ الْأَكْلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ جَانٍ بِالْأَكْلِ عَلَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ، وَالْقَصْدُ إلَى هَتْكِ حُرْمَتِهِ وَلَا عَلَى الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْجِنَايَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي الْجِمَاعِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ عَلَى الصَّوْمِ لِلنِّسْيَانِ وَلَا عَلَى الْبُضْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهَا فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ سِوَى اخْتِلَافِ الِاسْمِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ ثُبُوتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>