للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَارَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِنَا فِي الْغَصْبِ: إنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ تَبَعًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لَا أَصْلًا فَثَبَتَ بِشُرُوطِ الْأَصْلِ، فَكَانَ هَذَا الْأَصْلُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فِي الْحُرُمَاتِ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَأَمَّا النَّسَبُ فَمَا بُنِيَ عَلَى مِثْلِهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فَوَجَبَ قَطْعُهُ عَنْ الِاشْتِبَاهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تَتَعَدَّى إلَى الْأَخَوَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَنَحْوِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يَعْمَلُ فِي تَعْبِيرِ الْأُصُولِ وَهُوَ امْتِدَادُ التَّحْرِيمِ وَهَذَا مِمَّا يَكْثُرُ أَمْثِلَتُهُ وَلَا تُحْصَى، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُنَا

ــ

[كشف الأسرار]

الرَّشِيدَةِ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَلَا يُقَالُ: الِاتِّحَادُ إنَّمَا ثَبَتَ بِوَاسِطَةِ نِسْبَةِ الْوَلَدِ عَلَى مَا قُلْتُمْ، وَذَلِكَ فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ دُونَ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يُنْسَبُ إلَى الزَّانِي بِوَجْهٍ فَلَا يَصِيرُ جُزْءُ الْأُمِّ مُضَافًا إلَيْهِ فَكَيْفَ يَتَعَدَّى حُرْمَةَ أُمَّهَاتِهَا وَبَنَاتِهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنْ لَمْ يُنْسَبْ الْوَلَدُ إلَيْهِ بِالْبُنُوَّةِ فَقَدْ نُسِبَ بِالْجُزْئِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ حَقِيقَةً؛ وَلِهَذَا حُرِّمَتْ الْبِنْتُ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ الزِّنَا عَلَى الزَّانِي، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي ثُبُوتِ الِاتِّحَادِ وَتَعَدِّي الْحُرْمَةِ.

عَلَى أَنَّهُ لَا فَصْلَ بَيْنَ هَذِهِ الْحُرُمَاتِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فَمَتَى ثَبَتَ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ لِعَدَمِ انْقِطَاعِ النِّسْبَةِ عَنْهَا شَرْعًا ثَبَتَ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ أَيْضًا ضَرُورَةَ عَدَمِ الْفَصْلِ كَذَا قِيلَ وَصَارَ هَذَا أَيْ صَيْرُورَةُ الزِّنَا سَبَبًا لِهَذِهِ الْحُرْمَةِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ مَقَامَ الْوَلَدِ مِثْلَ قَوْلِنَا فِي الْغَصْبِ: إنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فِي الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ مَعَ كَوْنِهِ عُدْوَانًا مَحْضًا تَبَعًا لِوُجُوبِ ضَمَانِ الْغَصْبِ الَّذِي هُوَ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ وَأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْفَوَاتَ، وَالْفَوَاتُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِزَوَالِ الْمِلْكِ فَكَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ إلَى الْغَاصِبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبَدَلَ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ تَبَعٌ لَهُ فَكَانَ سَبَبِيَّةُ الْغَصْبِ لِلْمِلْكِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ كَسَبَبِيَّةِ الزِّنَا لِلْحُرْمَةِ لَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ كَسَبَبِيَّةِ الْبَيْعِ لِلْمِلْكِ فَثَبَتَ بِشُرُوطِ الْأَصْلِ أَيْ ثَبَتَ كَوْنُ الْغَصْبِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ بِالشَّرَائِطِ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا الْأَصْلُ وَهُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ لَا بِشُرُوطِ نَفْسِهِ وَالْأَصْلُ مَشْرُوعٌ لَا عُدْوَانَ فِيهِ كَالْبَيْعِ فَلَمْ يُلْتَفَتْ بَعْدُ إلَى صِفَةِ الْعُدْوَانِ فِي التَّبَعِ كَمَا أَنَّ التَّيَمُّمَ ثَبَتَ بِشُرُوطِ وُجُوبِ التَّوَضُّؤِ خَلَفًا عَنْهُ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى كَوْنِهِ تَلْوِيثًا فِي نَفْسِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّا لَا نُثْبِتُ الْمِلْكَ بِالْغَصْبِ حُكْمًا لَهُ كَمَا نُوجِبُهُ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْمِلْكُ بِهِ شَرْطًا لِلضَّمَانِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْغَصْبِ وَذَلِكَ الضَّمَانُ حُكْمٌ مَشْرُوعٌ كَالْبَيْعِ، وَكَوْنُ الْأَصْلِ مَشْرُوعًا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ شَرْطُهُ مَشْرُوعًا.

وَقَوْلُهُ: وَكَانَ هَذَا الْأَصْلُ إلَى آخِرِهِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: قَدْ أَقَمْتُمْ الْوَطْءَ الْحَرَامَ مَقَامَ الْوَلَدِ فِي إثْبَاتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، وَمَا أَقَمْتُمُوهُ مَقَامَهُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ حَتَّى لَمْ تُثْبِتُوا النَّسَبَ بِالزِّنَا بِوَجْهٍ مَعَ أَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ كَمَا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ.

فَقَالَ: هَذَا الْأَصْلُ، وَهُوَ إقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِيمَا بُنِيَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ مِنْ الْحُرُمَاتِ مِثْلَ إقَامَةِ النِّكَاحِ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي إثْبَاتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَاسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ مَقَامَ الشَّغْلِ فِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ وَالنَّوْمِ مَقَامَ الْحَدَثِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ الْمُتَضَمِّنِ لِحُرْمَةِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا نَهَى عَنْ الرِّيبَةِ كَمَا نَهَى عَنْ الرِّبَا عَلِمْنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَحَلِّ الِاحْتِيَاطِ، وَالسَّبَبُ دَالٌّ عَلَى الْمُسَبَّبِ فَثَبَتَ بِهِ شُبْهَةُ وُجُودِ الْمُسَبَّبِ فَقَامَ مَقَامَ حَقِيقَةِ وُجُودِهِ فِي مَحَلِّ الِاحْتِيَاطِ، فَأَمَّا النَّسَبُ فَمَا بُنِيَ عَلَى مِثْلِهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - قَالَ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: ٥] وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطَعَ النَّسَبَ عَنْ الزَّانِي بِقَوْلِهِ «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَظِيرِ مَا نَحْنُ فِيهِ فِي الِاحْتِيَاطِ فَوَجَبَ قَطْعُهُ أَيْ قَطْعُ النَّسَبِ عَنْ الْوَطْءِ عِنْدَ لُزُومِ الِاشْتِبَاهِ، وَذَلِكَ فِي الزِّنَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ رُبَّمَا يَزْنِي بِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الرِّجَالِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ مَعَ ذَلِكَ فَلَوْ اُعْتُبِرَ نَفْسُ الْوَطْءِ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ لَاشْتَبَهَتْ الْأَنْسَابُ وَضَاعَ النَّسْلُ وَفِيهِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى فَقَطَعَ الشَّرْعُ النَّسَبَ عَنْ الزَّانِي، وَلَمْ يُثْبِتْهُ إلَّا بِالْفِرَاشِ لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ وَهُوَ الْوَطْءُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِالْحَرَامِ الْمَحْضِ.

وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَيْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَطْءَ وَالْمَوْطُوءَةَ يَصِيرَانِ بِمَنْزِلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>