للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا نَصَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ إلَيْهِ بِمُخَالَفَةِ النَّصِّ مُنَاقِضَةٌ حُكْمَ النَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَالتَّعْدِيَةُ بِمُوَافَقَةِ النَّصِّ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ يُغْنِي عَنْ التَّعْلِيلِ وَمِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ

ــ

[كشف الأسرار]

شَخْصٍ وَاحِدٍ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ وَتَتَعَدَّى الْحُرُمَاتُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إلَى الْآخَرِ حَتَّى صَارَ آبَاؤُهُ وَأَبْنَاؤُهُ كَآبَائِهَا وَأَبْنَائِهَا وَعَلَى الْعَكْسِ إنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ أَيْ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْبَعْضِيَّةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لَا تَتَعَدَّى إلَى الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ حَتَّى لَمْ يَصِرْ أَخُو الْوَاطِئِ كَأَخِي الْمَرْأَةِ، وَلَا أُخْتُ الْمَرْأَةِ كَأُخْتِهِ فِي الْحُرْمَةِ وَنَحْوِهِمْ كَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يَعْمَلُ فِي تَغْيِيرِ الْأُصُولِ، وَهُوَ امْتِدَادُ التَّحْرِيمِ يَعْنِي أَثَرَ التَّعْلِيلِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ لَا فِي تَغْيِيرِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ فِي الْأَصْلِ وَالنَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ بِالْحُرْمَةِ فِي الْأَصْلِ مُقْتَصِرَةً عَلَى الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ فَلَوْ أَثْبَتْنَا الْحُرْمَةَ فِي الْأَصْلِ مُمْتَدَّةً إلَى الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَنَحْوِهِمْ أَوْ فِي الْفَرْعِ مُمْتَدَّةً إلَيْهِمْ لَكَانَ التَّعْلِيلُ مُغَيِّرًا حُكْمَ النَّصِّ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ أَوْ الْمَعْنَى أَنَّ حُرْمَةَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَنَحْوِهِمْ ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ مُؤَقَّتَةً بِالنِّكَاحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا» الْحَدِيثَ فَلَوْ ثَبَتَ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ لَصَارَتْ مُؤَبَّدَةً فِي الْفَرْعِ؛ إذْ لَا نِكَاحَ هَا هُنَا تَتَوَقَّتُ الْحُرْمَةُ بِهِ فَكَانَ هَذَا تَعْلِيلًا مُغَيِّرًا لِحُكْمِ النَّصِّ فِي الْفَرْعِ، وَلَا عَمَلَ لِلتَّعْلِيلِ فِي تَغَيُّرِ الْأُصُولِ أَيْ أَحْكَامِهَا بِوَجْهٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَهَذَا أَيْ التَّعَدِّي إلَى مَا لَيْسَ بِنَظِيرٍ لِلْأَصْلِ مِمَّا يَكْثُرُ أَمْثِلَتُهُ كَتَعْدِيَةِ الْإِيجَابِ الْكَفَّارَةَ مِنْ جِمَاعِ الْأَهْلِ فِي رَمَضَانَ إلَى جِمَاعِ الْمَيْتَةِ وَالْبَهِيمَةِ وَتَعْدِيَةِ إيجَابِ الْحَدِّ مِنْ الزِّنَا إلَى اللِّوَاطَةِ بِالتَّعْلِيلِ وَتَعْدِيَةِ إيجَابِ الْحَدِّ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ إلَى شُرْبِ النَّبِيذِ بِعِلَّةِ الْمُخَامَرَةِ؛ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ وَالْمَيْتَةَ لَيْسَتْ مِثْلَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ.

وَكَذَا اللِّوَاطَةُ لَيْسَتْ مِثْلَ الزِّنَا فِي الْحَاجَةِ إلَى الزَّاجِرِ لِمَا مَرَّ وَكَذَا النَّبِيذُ لَيْسَ نَظِيرَ الْخَمْرِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى شَرْعِ الْحَدِّ لِعَدَمِ اسْتِدْعَاءِ قَلِيلِهِ إلَى كَثِيرِهِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ

قَوْلُهُ: (وَلَا نَصَّ فِيهِ) التَّعْلِيلُ لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إلَى مَوْضِعٍ فِيهِ نَصٌّ لَا يَجُوزُ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ كَانَ وِفَاقَ النَّصِّ الَّذِي فِي الْفَرْعِ أَوْ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ الَّذِي فِي الْفَرْعِ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى وِفَاقِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُثْبِتَ زِيَادَةً فِيهِ، أَوْ أَثْبَتَ زِيَادَةً لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا النَّصُّ كَانَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لَهُ كَانَ مُؤَكِّدًا لِمُوجِبٍ، وَإِنْ كَانَ مُثْبِتًا لِزِيَادَةٍ كَانَ النَّصُّ عَنْهَا سَاكِتًا يَكُونُ بَيَانًا، وَالْكَلَامُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ فَيَجُوزُ التَّعْلِيلُ فَيَحْصُلُ زِيَادَةُ الْبَيَانِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ خِلَافَ مُوجِبِهِ فَيَبْطُلُ التَّعْلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَكُنَّا نَقُولُ: التَّعْلِيلُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ فِيهِ نَصٌّ، وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ فِيهِ بِالنَّصِّ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا ثَبَتَ بِالنَّصِّ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْعِلَّةِ، كَمَا لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ فِي النَّصِّ الْمَعْلُولِ إلَى الْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يَصْلُحُ مُبْطِلًا لِحُكْمِ النَّصِّ بِالْإِجْمَاعِ.

وَإِنْ كَانَ مُثْبِتًا لِزِيَادَةٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا النَّصُّ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ زِيَادَةٍ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّصُّ بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ وَالرَّفْعِ فَإِنَّ جَمِيعَ الْحُكْمِ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ كَانَ مَا أَثْبَتَهُ النَّصُّ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ يَصِيرُ بَعْضَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ.

١ -

وَاخْتِيَارُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْمِيزَانِ أَنْ يَجُوزَ التَّعْلِيلُ عَلَى مُوَافَقَةِ النَّصِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُثْبِتَ فِيهِ زِيَادَةً، وَهُوَ الْأَشْبَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>