للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشَرْطُ الْإِيمَانِ فِي مَصْرِفِ الصَّدَقَاتِ اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ، وَمِثْلُ شَرْطِ التَّمْلِيكِ فِي طَعَامِ الْكَفَّارَاتِ وَشَرْطِ الْإِيمَانِ فِي رَقَبَةِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَهَذَا كُلُّهُ تَعْدِيَةٌ إلَى مَا فِيهِ نَصٌّ بِتَغْيِيرِهِ بِالتَّقْيِيدِ.

ــ

[كشف الأسرار]

تَأْكِيدَ النَّصِّ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا النَّصُّ لَكَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِالتَّعْلِيلِ، وَلَا مَانِعَ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ عَنْ تَعَاضُدِ الْأَدِلَّةِ وَتَأْكِيدِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدْ وَرَدَ بِآيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَأَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ مَلَأَ السَّلَفُ كُتُبَهُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُودِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فَقَالُوا: هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ وَلَمْ تُنْقَلْ عَنْ وَاحِدٍ فِي ذَلِكَ نَكِيرٌ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْغَرِيبَ يَجِبُ قَبُولُهُ إنْ كَانَ مُوَافَقًا بِالْكِتَابِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا وَافَقَ فَاقْبَلُوهُ، وَمَا خَالَفَ فَرُدُّوهُ» وَمَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَبُولِهِ إلَّا تَأْكِيدُ دَلِيلِ الْكِتَابِ بِهِ فَكَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى مُوَافَقَتِهِ الْكِتَابَ يَجُوزُ لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِفَائِدَةِ التَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّصِّ الَّذِي ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهِ وَتَأْكِيدُ الشَّيْءِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا يُسْتَفَادُ مِنْ غَيْرِهِ لَا بِمَا يُسْتَفَادُ مِنْ نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْنَى التَّأْكِيدِ هَا هُنَا أَنَّهُ لَوْلَا النَّصُّ لَثَبَتَ الْحُكْمُ بِهِ، وَفِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ لَوْلَا النَّصُّ لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ بِهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنْ النَّصِّ فَتَنْعَدِمُ بِعَدَمِهِ لَا مَحَالَةَ فَثَبَتَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ خَالٍ عَنْ الْفَائِدَةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.

وَمِثَالُ ذَلِكَ أَيْ مِثَالُ تَعَدِّي الْحُكْمِ إلَى مَا فِيهِ نَصٌّ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ إبْطَالَهُ أَوْ تَغَيُّرَهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ أَيْ إيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ فِيهِمَا اعْتِبَارًا بِالْقَتْلِ الْخَطَأِ وَالْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَعْنَى الْجِنَايَةِ وَذَلِكَ أَكْمَلُ فِي الْعَمْدِ وَالْغَمُوسِ وَهَذَا تَعْلِيلٌ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِمَا وَهُوَ

قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ وَعَدَّ مِنْهَا الْغَمُوسَ وَقَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ» وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: ٩٣] يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ جَهَنَّمُ كُلَّ جَزَائِهِ فَإِيجَابُ الْكَفَّارَةِ كَانَ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ بِالرَّأْيِ وَشَرَطَ الْإِيمَانَ فِي مَصْرِفِ الصَّدَقَاتِ شَرَطَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِيمَانَ فِي مَصْرِفِ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ مِثْلَ الْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ اعْتِبَارًا بِمَصْرِفِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْإِيمَانَ فِيهِ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقُلْنَا نُصُوصُ الْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْإِيمَانِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ إطْلَاقِهَا بِالتَّعْلِيلِ كَمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ التَّقْيِيدِ بِهِ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} [الممتحنة: ٨] الْآيَةَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ صَرْفِهَا إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَانَ اشْتِرَاطُ الْإِيمَانِ بِالتَّعْلِيلِ مُخَالِفًا لَهُ وَإِنَّمَا شَرَطَ الْإِيمَانَ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي يُزَادُ بِمِثْلِهِ عَلَى الْكِتَابِ، وَهُوَ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ ثُمَّ أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ إلَى فُقَرَائِهِمْ» وَمِثْلُ شَرْطِ التَّمْلِيكِ فِي طَعَامِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ شَرَطَ التَّمْلِيكَ فِيهِ اعْتِبَارًا بِالْكِسْوَةِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ جَعَلَ الْغَيْرَ طَاعِمًا وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْإِبَاحَةِ فَاشْتِرَاطُ التَّمْلِيكِ فِيهِ يَكُونُ تَقْيِيدًا لِلنَّصِّ الْوَاحِدِ فَيَكُونُ بَاطِلًا.

وَشَرْطُ الْإِيمَانِ فِي رَقَبَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ أَيْ اشْتِرَاطُ صِفَةِ الْإِيمَانِ فِي رَقَبَةِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ اعْتِبَارًا بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ النَّصِّ الْوَارِدِ فِي الْفَرْعِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: ٨٩] {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] يَقْتَضِي الْخُرُوجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِإِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فَتَقْيِيدُهَا بِالْمُؤْمِنَةِ يَكُونُ تَغْيِيرًا لِمُوجِبِ هَذَا النَّصِّ بِالرَّأْيِ فَإِنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ تَغْيِيرٌ كَإِطْلَاقِ الْمُقَيَّدِ هَذَا أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّعْلِيلِ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ كُلُّهُ أَيْ أَكْثَرُهُ تَعْدِيَةٌ إلَى مَا فِيهِ نَصٌّ بِتَغْيِيرِهِ بِالتَّقْيِيدِ وَفِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ تَعْدِيَةٌ إلَى مَا فِيهِ نَصٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>