للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخَصَّصْتُمْ مِنْهَا الْقَلِيلَ بِالتَّعْلِيلِ، وَالنَّصُّ أَوْجَبَ الشَّاةَ فِي الزَّكَاةِ بِصُورَتِهَا، وَمَعْنَاهُ فَأَبْطَلْتُمْ الْحَقَّ عَنْ صُورَتِهَا بِالتَّعْلِيلِ، وَالْحَقُّ الْمُسْتَحَقُّ مُرَاعًى بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهَا، كَمَا فِي حُقُوقِ النَّاسِ، وَأَوْجَبَ النَّصُّ الزَّكَاةَ لِلْأَصْنَافِ الْمُسَمَّيْنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: ٦٠] وَقَدْ أَبْطَلْتُمُوهُ بِجَوَازِ الصَّرْفِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ بِطَرِيقِ التَّعْلِيلِ، وَأَوْجَبَ الشَّرْعُ التَّكْبِيرَ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَعَيَّنَ الْمَاءَ لِغَسْلِ الْعَيْنِ النَّجَسِ، وَقَدْ أَبْطَلْتُمْ هَذِهِ الْوَاجِبَ بِالتَّعْلِيلِ

ــ

[كشف الأسرار]

لِمُوجَبِهِ بِالتَّعْلِيلِ لَا تَعْدِيَةً لِحُكْمِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَخَصَّصْتُمْ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْحِنْطَةِ؛ إذْ الْمُرَادُ مِنْ الطَّعَامِ الْحِنْطَةُ، وَدَقِيقُهَا فِي الْعُرْفِ الْقَلِيلُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ فِي الْكَيْلِ بِالتَّعْلِيلِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِكُمْ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْمَكِيلَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّسَاوِي هُوَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْكَيْلِ فَكَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ هُوَ الْمَكِيلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ وَالْمُسْتَثْنَى الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ أَيْضًا فَكَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا إلَّا أَنَّهُ قِيلَ حَرَامٌ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ الْمُخَلِّصُ، وَهُوَ التَّسَاوِي بِمِعْيَارِهِ فَكَانَ الْمُسْتَثْنَى بَيْعَ طَعَامٍ بِطَعَامٍ حَالَةَ التَّسَاوِي، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ حَالَةَ عَدَمِ التَّسَاوِي لَا أَنْ يُقَالَ: الْمُسْتَثْنَى مَكِيلٌ، فَإِنَّ بَيْعَ الْمَكِيلِ مِنْهُ بِجِنْسِهَا حَرَامٌ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَتَسَاوَيَا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ إذَا تَسَاوَيَا إلَّا أَنَّ التَّسَاوِيَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالْمِعْيَارِ لَا بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْمِقْدَارِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.

وَمِنْهَا أَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ الشَّاةَ فِي الزَّكَاةِ بِصُورَتِهَا وَمَعْنَاهَا لِلْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْجَبَ الصَّدَقَةَ لِلْفُقَرَاءِ مُجْمَلَةً، وَفَسَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَفِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَأَمْثَالُهُمَا فَصَارَ كَأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى قَالَ: إنَّمَا الشَّاةُ لِلْفَقِيرِ فَصَارَتْ الشَّاةُ مُسْتَحَقَّةً بِصُورَتِهَا وَمَعْنَاهَا لَهُ كَالدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ لِلشَّفِيعِ وَأَنْتُمْ أَبْطَلْتُمْ أَيْ أَسْقَطْتُمْ الْحَقَّ عَنْ صُورَةِ الشَّاةِ بِالتَّعْلِيلِ بِالْمَالِيَّةِ وَهُوَ تَغْيِيرٌ لِمُوجِبِ النَّصِّ لَا تَعْدِيَةٌ لِحُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ كَانَتْ هِيَ الْوَاجِبَةَ عَيْنًا قَبْلَ التَّعْلِيلِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُهُ تَرْكُهَا إلَى غَيْرِهَا وَبَعْدَهُ، وَلَمْ تَبْقَ وَاجِبَةً؛ لِأَنَّهُ يَسَعُهُ تَرْكُهَا إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْقِيمَةُ فَكَانَ هَذَا مِثْلَ نَقْلِ حَقِّ الشَّفِيعِ مِنْ الدَّارِ إلَى الثَّوْبِ بِالتَّعْلِيلِ، وَمِثْلَ تَعْلِيلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِعِلَّةِ الْخُضُوعِ لِلتَّعْدِيَةِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ، وَهُوَ إقَامَةُ الْحَدِّ مَقَامَ الْجَبْهَةِ، أَوْ إقَامَةُ الرُّكُوعِ مَقَامَ السُّجُودِ وَالْحَقُّ الْمُسْتَحَقُّ مُرَاعًى بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ يَعْنِي قَدْ اسْتَحَقَّ الْفَقِيرُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ الشَّاةَ بِالنَّصِّ، وَالْحَقُّ الْمُسْتَحَقُّ وَاجِبُ الرِّعَايَةِ صُورَةً وَمَعْنًى، كَمَا فِي سَائِرِ حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَاسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ لِإِبْطَالِ الْحَقِّ عَنْ الصُّورَةِ أَوْ الْمَعْنَى كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِتَعْدِيَةِ حُكْمِ الشَّرْعِ لَا لِنَقْلِ الْحَقِّ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ.

وَمِنْهَا أَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ لِلْأَصْنَافِ الْمُسَمَّيْنَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ بِقَوْلِهِ أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: ٦٠] وَلَوْ قِيلَ: الشَّرْعُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ أُضِيفَتْ الصَّدَقَاتُ إلَيْهِمْ بِاللَّامِ، وَهِيَ لِلتَّمْلِيكِ لُغَةً فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ لِلْقِسْمَةِ بِأَنْ جَعَلَهَا حَقًّا لَهُمْ، وَجَعَلَهُمْ مُسْتَحَقِّينَ لِلتَّمَلُّكِ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَرْضَ لِقِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ بِمَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ حَتَّى قَسَمَ بِنَفْسِهِ فَوْقَ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» فَبَيَّنَ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ ثُبُوتًا أَيْ الْحَقُّ الْوَاجِبُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمْ وُجُوبًا لَا يَخْتَصُّ بِهِ صِنْفٌ مِنْهُمْ فَثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ النَّصِّ جَعَلَهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَنْتُمْ أَبْطَلْتُمْ الشَّرِكَةَ، وَحَقَّ سَائِرِ الْأَصْنَافِ بِتَجْوِيزِ الصَّرْفِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ بَلْ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ بِالتَّعْلِيلِ، وَأَنَّهُ خِلَافُ مُوجِبِ النَّصِّ لَا تَعْدِيَةً لِحُكْمِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ التَّكْبِيرَ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: ٣] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>