وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا وَهَمٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَخْصُوصَ إنَّمَا ثَبَتَ بِصِيغَةِ النَّصِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ الْمُسْتَثْنَى فِيمَا اسْتَثْنَى مِنْ النَّفْيِ كَمَا قَالَ فِي الْجَامِعِ إنْ كَانَ فِي الدَّارِ إلَّا زَيْدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَنُو آدَمَ وَلَوْ قَالَ: إلَّا حِمَارٌ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْحَيَوَانَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى حَيَوَانٌ، وَلَوْ قَالَ: إلَّا مَتَاعٌ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ وَهُنَا اسْتَثْنَى الْحَالَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» وَاسْتِثْنَاءُ الْحَالِ مِنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ عُمُومُ صَدْرِهِ فِي الْأَحْوَالِ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ، وَهُوَ حَالُ التَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلِ وَالْمُجَازَفَةِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ حَالَ التَّسَاوِي، وَلَنْ يَثْبُتَ اخْتِلَافُ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي الْكَثِيرِ فَصَارَ التَّغْيِيرُ بِالنَّصِّ مُصَاحَبًا بِالتَّعْلِيلِ لَا بِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
التَّكْبِيرُ» ، «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ إذَا أَرَدْت الصَّلَاةَ فَتَطَهَّرْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ - تَعَالَى، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ ثُمَّ قُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ» وَأَنْتُمْ بِالتَّعْلِيلِ بِالثَّنَاءِ وَذِكْرِ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ غَيَّرْتُمْ هَذَا الْحُكْمَ فِي الْمَنْصُوصِ حَيْثُ جَوَّزْتُمْ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ مِثْلَ قَوْلِهِ: اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ الرَّحْمَنُ أَعْظَمُ.
وَمِنْهَا أَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ الْمَاءَ لِغَسْلِ الثَّوْبِ النَّجَسِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ وَقَدْ غَيَّرْتُمْ - بِالتَّعْلِيلِ بِكَوْنِهِ مُزِيلًا لِلْعَيْنِ وَالْأَثَرِ - هَذَا الْحُكْمَ حَيْثُ جَوَّزْتُمْ تَطْهِيرَ الثَّوْبِ النَّجَسِ بِاسْتِعْمَالِ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ سِوَى الْمَاءِ مِثْلَ الْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِمَا.
١ -
قَوْلُهُ: (وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا) أَيْ مَا زَعَمْتَ أَنَّا غَيَّرْنَا النَّصَّ بِالتَّعْلِيلِ وَهْمٌ أَيْ شَيْءٌ ذَهَبَ إلَيْهِ قَلْبُك مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ نَصُّ الرِّبَا فَلِأَنَّ الْخُصُوصَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيهِ بِصِيغَةِ النَّصِّ لَا بِالتَّعْلِيلِ وَذَلِكَ أَيْ ثُبُوتُ الْخُصُوصِ بِالصِّيغَةِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ النَّفْيِ أَيْ الْمَنْفِيِّ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْمُسْتَثْنَى فِي النَّفْيِ جَائِزٌ بِعِلَّةِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ، وَإِذَا صَحَّ حَذْفُهُ وَجَبَ إثْبَاتُهُ عَلَى وَفْقِ الْمُسْتَثْنَى تَحْقِيقًا لِلِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالنَّفْيِ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَجُوزُ لَا تَقُولُ: جَاءَنِي إلَّا زَيْدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ كَمَا قُدِّرَ فِي النَّفْيِ يَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدِ مِنْ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ بِخِلَافِ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِيهِ تَعُمُّ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدِ مِنْ الْعَامِّ وَلَوْ أَضْمَرَ فِيهِ الْقَوْمَ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: جَاءَنِي الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا لَا يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ مَجْهُولَةٌ وَلَوْ قُدِّرَ فِيهِ أَعَمُّ الْعَامِّ وَهُوَ جَمِيعُ النَّاسِ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَجِيءَ جَمِيعِ النَّاسِ عِنْدَهُ سِوَى زَيْدٍ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَثَبَتَ أَنَّ حَذْفَهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي النَّفْيِ كَمَا قَالَ أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ: إنْ كَانَ فِي الدَّارِ إلَّا زَيْدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَنِي آدَمَ أَيْ إنْ كَانَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ مِنْ آدَمَ فَكَذَا حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهَا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ فِيهَا دَابَّةٌ، أَوْ مَتَاعٌ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ أَوْ الْعَرَضَ لَا يُجَانِسُ الْمُسْتَثْنَى فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ.
وَلَوْ قَالَ إلَّا حِمَارٌ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْحَيَوَانَ أَيْ الْحَيَوَانَ الَّذِي يُقْصَدُ بِالسُّكْنَى حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ شَاةٌ حَنِثَ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا مَتَاعٌ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ قَالَ: إلَّا مَتَاعٌ أَيْ ثَوْبٌ فَإِنَّ الْمَتَاعَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُتَمَتَّعُ بِهِ، وَفِي الْعُرْفِ صَارَ عِبَارَةً عَنْ الثَّوْبِ كَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي، وَصَرَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِذِكْرِ لَفْظِ الثَّوْبِ فَقَالَ: وَلَوْ كَانَ قَالَ: إلَّا ثَوْبٌ، وَهَكَذَا فِي الْجَامِعِ أَيْضًا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْ كُلَّ شَيْءٍ يُقْصَدُ بِالسُّكْنَى وَالْإِمْسَاكِ فِي الدُّورِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ شَيْءٌ سِوَى الثَّوْبِ مِمَّا يُقْصَدُ بِالْإِمْسَاكِ فِي الدُّورِ يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ سَوَاكِنِ الْبُيُوتِ مِثْلُ الْفَأْرَةِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ لَا يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يَقْصِدْ نَفْيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِيَمِينِهِ عَنْ الدَّارِ فَيَثْبُتُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا يَقْدِرُ عَلَى وَفْقِ الْمُسْتَثْنَى.
وَهَا هُنَا اسْتَثْنَى الْحَالَ بِقَوْلِهِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ إذْ الْمُرَادُ مِنْهُ حَالَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْكَيْلِ، وَالْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ هُوَ الْعَيْنُ وَاسْتِثْنَاءُ الْحَالِ مِنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِأَنْ يَجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعًا وَلَكِنَّ الْمَجَازَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَدَلَّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute