للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَارُوا عَلَى هَذَا التَّحْقِيقِ مَصَارِفَ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ.

وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ أَسْبَابُ الْحَاجَةِ وَهُمْ بِجُمْلَتِهِمْ لِلزَّكَاةِ مِثْلَ الْكَعْبَةِ لِلصَّلَاةِ، وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ مِثْلُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ وَاسْتِقْبَالُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ جَائِزٌ كَاسْتِقْبَالِ كُلِّهَا فَكَذَلِكَ هَا هُنَا، وَكَانَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَغْيِيرًا بِأَنْ جَعَلَ الزَّكَاةَ حَقًّا لِلْعِبَادَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ عَظِيمٌ

ــ

[كشف الأسرار]

تَعَالَى الصَّرْفُ إلَى هَؤُلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ.

وَبَيَانُهُ مَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الزَّكَاةِ حَقُّ إخْرَاجٍ إلَى اللَّهِ بِقَطْعِ الْمَالِكِ مِلْكَهُ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ، وَحَقُّ الْفَقِيرِ فِي رِزْقِهِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - حَالَ حَاجَتِهِ لَا تَعَلُّقَ لِحَقِّهِ بِالنِّصَابِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمَّا أَمَرَ بِقَضَاءِ حَقِّ الْفَقِيرِ بِمَالِهِ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ يَصِيرُ كَفُّ الْفَقِيرِ بِالْآيَةِ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ شَرْطًا لِتَأَدِّي حَقِّ اللَّهِ بِهِ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا لِمَا وَجَبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِغِنَاهُ.

وَإِذَا صَارَ هَكَذَا قُلْنَا: الْأَصْنَافُ السَّبْعَةُ مَا صَارُوا مُسْتَحَقِّينَ بِالْآيَةِ لِلزَّكَاةِ بَلْ صَارُوا مَصَارِفَ صَالِحِينَ لِصَرْفِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ كَالْكَعْبَةِ صَالِحَةً لِلصَّلَاةِ إلَيْهَا لَا أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَقَّةً ثُمَّ إنَّا عَلَّلْنَا فَقُلْنَا: إنَّمَا صَارُوا مَصَارِفَ بِفَقْرِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ الرِّزْقَ لِذِي الْحَاجَةِ عَلَى مَوْلَاهُمْ، وَهُوَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ بِوَصْفٍ آخَرَ لَمْ يُعْرَفْ سَبَبًا شَرْعًا مِنْ الْغُرْمِ وَالْغُرْبَةِ وَالرِّزْقِ وَنَحْوِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَارِمَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالْغَازِيَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَمْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ الزَّكَاةُ، وَلَوْ صَارُوا مَصَارِفَ بِالِاسْمِ لَجَازَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْحَاجَةِ كَمَا فِي الْمَوَارِيثِ.

وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ أَسَامٍ مُخْتَلِفَةٌ بِأَنْ كَانَ مُكَاتَبًا وَابْنَ سَبِيلٍ وَمِسْكِينًا وَغَارِمًا لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا سَهْمًا وَاحِدًا، وَلَوْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالِاسْمِ لَا يَسْتَحِقُّ بِكُلِّ اسْمٍ سَهْمًا عَلَى حِدَةٍ، كَمَا فِي الْإِرْثِ إذَا اجْتَمَعَ سَبَبَانِ فِي شَخْصٍ إنْ كَانَ زَوْجًا وَابْنَ عَمٍّ يَسْتَحِقُّ بِهِمَا جَمِيعًا فَعُلِمَ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَاجَةِ غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ تَقَعُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ فِي الْأَغْلَبِ فَذَكَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الَّتِي هِيَ أَسْبَابُ الْحَاجَةِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ يَسْتَحِقُّهُ بِحَاجَتِهِ حَتَّى شَارَكَهُ غَيْرُهُ لَمَّا احْتَاجَ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ الْفَقْرِ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ مَصَارِفُ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ فَصَارُوا جِنْسًا وَاحِدًا كَأَنَّهُ قِيلَ: إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْمُحْتَاجِينَ بِأَيِّ سَبَبٍ احْتَاجُوا ثُمَّ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجِنْسِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ ثُمَّ هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُمْ بِالنَّصِّ كَانُوا مَصَارِفَ لِلزَّكَاةِ، وَهُمْ مَصَارِفُ أَيْ صَالِحُونَ لِلصَّرْفِ إلَيْهِمْ صُرِفَتْ إلَيْهِمْ أَمْ لَا كَالْكَعْبَةِ، وَصَالِحَةٌ لِصَرْفِ الصَّلَاةِ إلَيْهَا أَدَاءً وَاسْتِقْبَالًا فَعَلَ الْعَبْدُ أَمْ لَا وَتَبَيَّنَ أَنَّ التَّعْلِيلَ وَقَعَ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ شَرْطِ جَوَازِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ كَالْكَعْبَةِ لِلصَّلَاةِ لَا لِحَقِّ الْعَبْدِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْسُومَ بَيْنَهُمْ حُكْمٌ إنْ كَانُوا مَصَارِفَ الزَّكَاةِ وَقَدْ بَيَّنُوا كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ كَوْنَهُمْ مَصَارِفَ إلَّا مَا اُنْتُسِخَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مَصَارِفَ بِعِلَّةٍ أُخْرَى، وَهِيَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَإِعْزَازُ دِينِهِ بِالْإِحْسَانِ لَا لِحَاجَةِ الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ إلَى الرِّزْقِ فَكَانَ ذَلِكَ بَابًا عَلَى حِدَةِ كِتَابِ الْعَامِلِ الْيَوْمَ يُعْطَى لَا رِزْقًا عَلَى الْحَاجَةِ بَلْ جَزَاءً عَلَى حِسْبَتِهِ فِي الْعَمَلِ لِلْفُقَرَاءِ فِي جِبَايَةِ الصَّدَقَاتِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَلْغَيْنَا الِاسْمَ فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ صَدَقَةً؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ صَدَقَةً يَجِبُ الْإِخْرَاجُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى، ثُمَّ الصَّرْفُ إلَى الرِّزْقِ حَتَّى إنَّ رَجُلًا لَوْ نَذَرَ فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي عَلَى الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ فَأَمَّا الْوَصِيُّ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ أَنَّهَا صَدَقَةٌ فِي حَقِّ صَرْفِهِ إلَيْهِمْ بَلْ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْمُوصِي بِأَمْرِهِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ بِالصَّرْفِ إلَى حَيْثُ سَمَّاهُ وَإِنَّمَا سَمَّى ثَلَاثَةَ أَسْمَائِهِ فَيَجِبُ الصَّرْفُ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَتْ عِبْرَةُ الصَّدَقَةِ فِي حَقِّ الْوَصِيِّ كَمَنْ أُمِرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>