وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَمَا وَجَبَ لِعَيْنِهِ بَلْ الْوَاجِبُ تَعْظِيمُ اللَّهِ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ، وَاللِّسَانُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ مِنْ وَجْهٍ فَوَجَبَ فِعْلُهَا وَالثَّنَاءُ آلَةُ فِعْلِهَا فَصَارَ حُكْمُ النَّصِّ أَنْ يَجْعَلَ التَّكْبِيرَ آلَةَ فِعْلِهِ لِكَوْنِهِ ثَنَاءً مُطْلَقًا فَعَدَّيْنَاهُ إلَى سَائِرِ الْأَثْنِيَةِ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ النَّصِّ، وَهُوَ كَوْنُ التَّكْبِيرِ ثَنَاءً صَالِحًا لِلتَّعْظِيمِ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْنَا هَذَا دُونَ أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ بِعَيْنِهِ وَاجِبًا؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا سَائِرَ الْأَرْكَانِ أَفْعَالًا لَا تُوجَدُ مِنْ الْبَدَنِ لِيَصِيرَ الْبَدَنُ فَاعِلًا فَكَذَلِكَ اللِّسَانُ
ــ
[كشف الأسرار]
بِالتَّصَدُّقِ بِشَاةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِغَيْرِهَا.
وَفِيمَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَلِأَنَّ فِي أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى يُرَاعَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ لَا يَعْرَى عَنْ حِكْمَةٍ وَفَائِدَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَوَامِرُ الْعِبَادِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَقْصِدْ الْفَائِدَةَ بَلْ قَصَدَ الِاسْمَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَفِعْلَهُ قَدْ يَخْلُو عَنْ فَائِدَةٍ؛ فَلِذَلِكَ رُوعِيَ فِي أَمْرِ الْعِبَادِ الِاسْمُ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا.
١ -
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَمَا وَجَبَ لِعَيْنِهِ) إلَى آخِرِهِ الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي التَّحْرِيمَةِ عَيْنُ التَّكْبِيرِ عِنْدَهُ فَلَمْ يَجُزْ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ كَإِقَامَةِ الْخَدِّ مَقَامَ الْجَبْهَةِ، وَعِنْدَنَا الرُّكْنُ فِيهَا عَمَلُ اللِّسَانِ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالتَّكْبِيرُ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ عَمَلِ الثَّنَاءِ بِذِكْرِهِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ لِلْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، وَالْمُسْتَحَقُّ فِيهَا أَفْعَالٌ تَحِلُّ عَلَى أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ تُنْبِئُ عَنْ التَّعْظِيمِ، كَالْقِيَامِ لِلْقَدَمِ وَالرُّكُوعِ لِلظَّهْرِ وَالسُّجُودِ لِلْجَبْهَةِ، وَاللِّسَانُ مِنْ جُمْلَةِ الْبَدَنِ، وَمِنْ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ الْمُسْتَحَقُّ اسْتِعْمَالَهُ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْظِيمُ مِمَّا هُوَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - فَعَيَّنَ الشَّرْعُ التَّكْبِيرَ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الثَّنَاءُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ فِي نَفْسِهِ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِي السُّجُودِ أَنْ يُصَيِّرَ الْجَبْهَةَ لَا أَنْ يُصَيِّرَ الْأَرْضَ مَسْجُودًا بِهَا، وَكَمَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِي ذِكْرِ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَذَانًا عَلَى اللِّسَانِ مِنْ عَمَلِ الْإِيمَانِ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ آلَةٌ بِهَا يَحْصُلُ الْأَدَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرُّكْنُ أَنْ تَصِيرَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ مَذْكُورَةً بِلِسَانِهِ وَلِهَذَا قَامَ مَقَامَهَا سَائِرُ الْكَلِمَاتِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَمَلُ اللِّسَانِ صَحَّ التَّعْلِيلُ، وَإِقَامَةُ غَيْرِ التَّكْبِيرِ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ اللِّسَانِ لَا يَتَبَدَّلُ بِهِ.
وَإِنَّمَا تُبَدَّلُ الْآلَةُ، وَالْآلَةُ فِي تَحْصِيلِ الْعَمَلِ لَا تَجِبُ مَقْصُودَةً بَلْ الضَّرُورَةُ تَحْصِيلُ الْعَمَلِ بِهَا لِصَلَاحِهَا لِذَلِكَ الْعَمَلِ كَالْبَيْعِ لِلْجُمُعَةِ وَاسْتِعْمَالِ الْقَلَمِ لِلْكِتَابَةِ وَالسِّكِّينِ لِلتَّضْحِيَةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا صِفَةٌ فِي نَفْسِهَا إلَّا الصَّلَاحِيَةُ لِلْعَمَلِ وَبِالتَّعْلِيلِ وَإِقَامَةِ آلَةٍ أُخْرَى مَقَامَهَا لَا يَتَبَدَّلُ حُكْمُهَا فَإِنَّهَا تَبْقَى صَالِحَةً بَعْدَ التَّعْلِيلِ كَمَا كَانَتْ، وَيَبْقَى اسْتِعْمَالُهَا وَاجِبًا إذَا اُضْطُرَّ إلَى تَحْصِيلِ الْعَمَلِ بِأَنْ لَا يَجِدَ آلَةً أُخْرَى، وَهُوَ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» ، فَإِنَّ تَعْيِينَ الْحَجَرِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إقَامَةِ الْمَدَرِ مَقَامَهُ بَلْ الْحَجَرُ آلَةٌ بِجَوَازِ أَنْ يَتَعَيَّنَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا فِي مَعْنَاهَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْجَبْهَةِ لِلسُّجُودِ حَيْثُ لَا يُقَامُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ الْمُسْتَحَقَّ ضَرُورَةً لِلْجَبْهَةِ سَاجِدَةً بِالْأَرْضِ فَيَصِيرُ الْجَبْهَةُ مُسْتَحَقَّةً حُكْمًا؛ لِأَنَّ وَضْعَهَا لَا يَنْفَصِلُ عَنْهَا فَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَهَذَا كَأَجِيرِ الْوَاحِدِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِعَمَلِ غَيْرِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ مَنَافِعُهُ، وَمَنَافِعُهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْهُ فَصَارَتْ نَفْسُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَقِّ فَلَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَالْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِعَمَلِ غَيْرِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَحْصُلُ صِفَةً فِي الْمَعْمُولِ بِعَمَلِهِ وَعَمَلُهُ آلَةٌ لَا مَقْصُودٌ، وَتِلْكَ الصِّفَةُ تَحْصُلُ بِعَمَلِ غَيْرِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ غَيْرِهِ لَهُ بِأَمْرِهِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْلَكُ بِالِاسْتِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ، وَإِذَا صَارَ صَارَتْ الصِّفَةُ الْحَاصِلَةُ بِهِ لَهُ كَمَا لَوْ عَمِلَ بِنَفْسِهِ فَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ تَبَدَّلَتْ الْآلَةُ.
وَلَا يَلْزَمُ - عَلَى مَا ذَكَرْنَا - الْقِرَاءَةُ حَيْثُ لَا يَقُومُ ذِكْرٌ آخَرُ مَقَامَهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَمَلُ اللِّسَانِ عَمَلَ قِرَاءَةٍ، وَلِلْقِرَاءَةِ فَضِيلَةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ، وَهِيَ أَنَّ الْمَقْرُوءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَيَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ قِرَاءَتُهُ فَلَا يَجُوزُ إقَامَةُ غَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ مَقَامَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ مِنْ السُّوَرِ لَمَّا سَاوَى الْفَاتِحَةَ فِي الْفَضِيلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute