للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا ثَبَتَ خُصُوصُ الصِّيغَةِ ثَبَتَ خُصُوصُ الْمُرَادِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ لَا يَجِبُ بِهِ حُكْمٌ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ

ــ

[كشف الأسرار]

وَهَذَا الْبَابُ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ أَنَّهُ مُتَعَدِّدٌ أَمْ وَاحِدٌ، مُتَعَيِّنٌ أَوْ مُبْهَمٌ قَوْلُهُ (وَإِذَا ثَبَتَ خُصُوصُ الصِّيغَةِ) أَيْ لُزُومُهَا لِلْمَعْنَى وَاخْتِصَاصُهَا بِهِ ثَبَتَ خُصُوصُ الْمُرَادِ أَيْ انْفِرَادُ الْمَعْنَى وَتَعَيُّنُهُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ مُنْفَرِدًا أَوْ مُتَعَيِّنًا مَعَ أَنَّ الصِّيغَةَ الْمَخْصُوصَةَ لَازِمَةٌ لَهُ يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ أَوْ الْإِجْمَالُ فِي الصِّيغَةِ وَكِلَاهُمَا خِلَافُ الْأَصْلِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ وَضْعِ الْأَلْفَاظِ الْإِفْهَامُ لِلسَّامِعِ وَالِاشْتِرَاكُ وَالْإِجْمَالُ يُخِلَّانِ بِهِ إلَّا أَنَّ الِاشْتِرَاكَ وَالْإِجْمَالَ وَقَعَا لِعَوَارِضَ قَدْ ذَكَرْنَا وَسَنَذْكُرُهَا أَيْضًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قِيلَ) إنَّهُ فِي بَيَانِ خُصُوصِ اللَّفْظِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: الْخَاصُّ لَفْظٌ وُضِعَ لِكَذَا وَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ أَقْسَامِ خُصُوصِ الْمَعْنَى فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ أَقْسَامِ الْخَاصِّ اللَّفْظِيِّ (قُلْنَا) لَا يَتِمُّ خُصُوصُ اللَّفْظِ إلَّا بِبَيَانِ خُصُوصِ الْمَعْنَى أَعْنِي تَفَرُّدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي تَحْدِيدِ الْخَاصِّ لَفْظٌ وُضِعَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَرُّضِ لِجَانِبِ خُصُوصِ الْمَعْنَى لِيَتِمَّ خُصُوصُ اللَّفْظِ؛ فَلِهَذَا جَعَلَهُ مِنْ أَقْسَامِ الْخَاصِّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ اُسْتُعْمِلَتْ لِوُجُوهٍ وَالْمَشْهُورُ مِنْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَجْهًا، لِلْوُجُوبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] وَلِلنَّدْبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: ٣٣] وَلِلْإِرْشَادِ إلَى الْأَوْثَقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِرْشَادِ وَالنَّدْبِ أَنَّ النَّدْبَ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَالْإِرْشَادَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَصْلَحَةِ الدُّنْيَا وَلَا يَنْقُصُ ثَوَابٌ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ فِي الْمُدَايَنَاتِ وَلَا يَزِيدُ بِفِعْلِهِ، وَلِلْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤] وَلِلْإِكْرَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: ٤٦] وَلِلِامْتِنَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأنعام: ١٤٢] وَلِلْإِهَانَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: ٤٩]

وَلِلتَّسْوِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [الطور: ١٦] وَلِلتَّعَجُّبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: ٣٨] أَيْ مَا أَسْمَعَهُمْ وَمَا أَبْصَرَهُمْ وَلِلتَّكْوِينِ وَكَمَالِ الْقُدْرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: ١١٧] وَلِلِاحْتِقَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [يونس: ٨٠] وَلِلْإِخْبَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التوبة: ٨٢] وَلِلتَّهْدِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠] وَ {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ} [الإسراء: ٦٤] وَيَقْرُبُ مِنْهُ الْإِنْذَارُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ تَمَتَّعُوا} [إبراهيم: ٣٠] ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَعَلُوهُ قِسْمًا آخَرَ، وَلِلتَّعْجِيزِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: ٢٣] وَلِلتَّسْخِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: ٦٥] وَلِلتَّمَنِّي كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

أَلَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلَا انْجَلِي

، وَلِلتَّأْدِيبِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِابْنِ عَبَّاسٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «كُلْ مِمَّا يَلِيك» ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ النَّدْبِ إذْ الْأَدَبُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَلِلدُّعَاءِ كَقَوْلِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إذَا عَرَفْت هَذَا فَنَقُولُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ لَيْسَتْ حَقِيقَةً فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّسْخِيرِ وَالتَّعْجِيزِ وَالتَّسْوِيَةِ مَثَلًا غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ مُجَرَّدِ الصِّيغَةِ بَلْ إنَّمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ، إنَّمَا الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ: الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ وَالتَّهْدِيدُ فَقَالَ بَعْضُ الْوَاقِفِيَّةِ الْأَمْرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ كَلَفْظِ الْعَيْنِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَابْنِ شُرَيْحٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ الشِّيعَةِ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ الشَّيْخُ حَيْثُ جَعَلَ التَّوْبِيخَ مِنْ مَوَاجِبِهِ.

وَقِيلَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَقِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>