للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لَازِمًا مِثْلُ الثَّمَنِيَّةِ جَعَلْنَاهَا عِلَّةً لِلزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ وَالطَّعْمِ جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ عِلَّةً لِلرِّبَا، أَوْ وَصْفًا عَارِضًا أَوْ اسْمًا، «كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إنَّهُ دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ» ، وَهُوَ اسْمُ عَلَمٍ

ــ

[كشف الأسرار]

حُكْمِ الْأَصْلِ تَكُونُ مُتَفَرِّعَةً عَنْهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَمَارَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَلَا فَائِدَةَ لِلْأَمَارَةِ سِوَى تَعْرِيفِ الْحُكْمِ كَانَ الْحُكْمُ مُتَفَرِّعًا عَنْهَا وَهُوَ دَوْرٌ.

قَالَ وَمِنْ كَوْنِ الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَا فَائِدَةَ لَهَا سِوَى تَعْرِيفِ الْحُكْمِ يُعْلَمُ بُطْلَانُ التَّعْلِيلِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ مُعَرَّفٌ بِالنَّصِّ، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ يَعْنِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا النَّصُّ إمَّا بِصِيغَتِهِ كَاشْتِمَالِ نَصِّ الرِّبَا عَلَى الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ، أَوْ بِغَيْرِ صِيغَتِهِ كَاشْتِمَالِ نَصِّ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْآبِقِ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَمَّا كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ النَّصِّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِهِ صِيغَةً أَوْ ضَرُورَةً.

وَجُعِلَ الْفَرْعُ نَظِيرًا لَهُ فِي حُكْمِهِ بِوُجُودِ الضَّمِيرِ فِي لَهُ وَحُكْمُهُ رَاجِعٌ إلَى النَّصِّ وَفِي بِوُجُودِهِ رَاجِعٌ إلَى مَا، وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ يَعْنِي وَجُعِلَ الْفَرْعُ مُمَاثِلًا لِلنَّصِّ أَيْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِهِ مِنْ الْجَوَازِ وَالْغُسْلِ وَالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ؛ بِسَبَبِ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الْفَرْعِ وَقِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ أَرْكَانَ الْقِيَاسِ أَرْبَعَةٌ: الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ وَحُكْمُ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ الْجَامِعِ أَمَّا حُكْمُ الْفَرْعِ فَثَمَرَةُ الْقِيَاسِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا فِيهِ لَتَوَقَّفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَهَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْقِيَاسِ كَمَا تَوَقَّفَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ تَوَقَّفَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَذُكِرَ فِي الْمِيزَانِ أَنَّ رُكْنَ الْقِيَاسِ هُوَ الْوَصْفُ الصَّالِحُ الْمُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ مَتَى وُجِدَ مِثَالُهُ فِي الْفَرْعِ يَثْبُتُ مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِيهِ قِيَاسًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاس لَمَّا كَانَ رَدَّ الْفَرْعِ إلَى أَصْلٍ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِالنَّصِّ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَرْعَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَصْلِ وَصْفٌ يَجِبُ بِهِ الْحُكْمُ شَرْعًا حَتَّى يَثْبُتَ مِثْلُهُ فِي الْفَرْعِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْوَصْفِ إذْ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَدَلَّ أَنَّ الرُّكْنَ مَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ سِوَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْنَا شَرَائِطَهُ لَكِنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الرُّكْنِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرَائِطِ لَا إلَيْهَا كَالنِّكَاحِ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرَائِطِ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِهِمَا وَثُبُوتُ الْحُكْمِ يُضَافُ إلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دُونَ الشَّرَائِطِ فَكَذَا هَذَا، قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَوْلُهُ.

(وَهُوَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لَازِمًا) أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لَازِمًا لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِثْلُ الثَّمَنِيَّةِ جَعَلْنَاهَا عِلَّةً لِلزَّكَاةِ فِي الْحُكْمِ فَقُلْنَا يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ سَوَاءٌ صِيغَتْ صِيَاغَةً تَحِلُّ أَوْ تَحْرُمُ كَمَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الْمَصُوغِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الْمَصُوغِ لِوَصْفِ أَنَّهُ ثَمَنٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تَبْطُلُ بِصَيْرُورَتِهِ حُلِيًّا فَإِنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ خَلْقٌ جَوْهَرِيُّ الْأَثْمَانِ لَا يُعَارِضُهُمَا هَذَا الْوَصْفُ بِحَالٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّبَا لَمَّا تَعَلَّقَ عِنْدَهُ هَذَا الْوَصْفُ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَمَا صَارَ حُلِيًّا لِبَقَاءِ الْوَصْفِ (فَإِنْ قِيلَ) الزَّكَاةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِكَوْنِهِ ثَمَنًا فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ حُلِيًّا لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ عِنْدِي بَلْ بِمَعْنَى تَحْتَ الثَّمَنِ، وَهُوَ أَنَّهُ لِلتِّجَارَةِ بِهِ، وَهَذَا وَصْفٌ عَارِضٌ يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ قِبَلِنَا فَإِذَا جُعِلَ حُلِيًّا سَقَطَ هَذَا الْوَصْفُ فَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ كَمَا لَوْ جُعِلَتْ السَّائِمَةُ عَلُوفَةً (قُلْنَا) لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِنَا ثَمَنٌ وَبَيْنَ قَوْلِنَا إنَّهُ مَالُ التِّجَارَةِ فَالتِّجَارَةُ تَكُونُ بِالْأَثْمَانِ وَبِالثَّمَنِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>