وَانْفَجَرَ صِفَةٌ عَارِضَةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَعَلَّلْنَا بِالْكَيْلِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ وَيَكُونُ جَلِيًّا وَخَفِيًّا
ــ
[كشف الأسرار]
يَصِيرُ نِصَابًا لَا بِاسْتِعْمَالِنَا فَثَبَتَ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ الَّتِي بِهَا صَارَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ نِصَابًا صِفَةً لَازِمَةً بِمَنْزِلَةِ صِفَةِ ذَاتِهِ لَا تَزُولُ بِحَالٍ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالطَّعْمُ جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ عِلَّةً لِلرِّبَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الطَّعْمَ يُنَبِّئُ عَنْ خَطَرِ الْمَحَلِّ لِتَعَلُّقِ بَقَاءِ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ الشَّرَفِ فِي الْعَقْدِ بِشَرْطٍ زَائِدٍ، وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ كَمَا قَيَّدَ تَمَلُّكَ الْأَبْضَاعِ بِشُرُوطٍ ثُمَّ الطَّعْمُ وَصْفٌ لَازِمٌ لِلْمَطْعُومِ كَالثَّمَنِيَّةِ لِلْجَوْهَرَيْنِ فَثَبَتَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِمِثْلِ هَذَا الْوَصْفِ جَائِزٌ وَوَصْفًا عَارِضًا وَاسْمًا يَعْنِي كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَصْفًا لَازِمًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا عَارِضًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ لِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَاضَةِ بِقَوْلِهِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ تَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ، أَيْ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ، وَهُوَ أَيْ الدَّمُ اسْمُ عَلَمٍ أَيْ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يُسْبَقْ عَنْ مَعْنًى انْفَجَرَ صِفَةٌ عَارِضَةٌ إذْ الدَّمُ مَوْجُودٌ فِي الْعِرْقِ، وَلَيْسَ بِمُنْفَجِرٍ.
فَالتَّعْلِيلُ بِالِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ صِفَةِ النَّجَاسَةِ وَبِالِانْفِجَارِ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ صِفَةِ الْخُرُوجِ فَيَتَعَلَّقُ الِانْتِقَاضُ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَعْلِيلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بَلْ لِنَفْيِ وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ أَوْ لِنَفْيِ سُقُوطِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْإِشْكَالَ كَانَ وَاقِعًا فِيهِمَا لَا فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالْبَوْلِ الَّذِي هُوَ أَدْنَى مِنْهُ فَكَانَ التَّعْلِيلُ لِبَيَانِ نَفْيِ وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ عَنْهَا أَوْ لِسُقُوطِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُتَعَلِّقٌ بِدَمِ الرَّحِمِ لَا بِدَمِ الْعِرْقِ (قُلْنَا) قَدْ أَشْكَلَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ عَلَى إمَامٍ مُجْتَهِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ حَدِيثٌ فَكَيْفَ لَا يُشْكَلُ عَلَى امْرَأَةٍ حَدِيثٌ عَهْدُهَا بِالْإِسْلَامِ، عَلَى أَنَّا نَجْعَلُ هَذَا التَّعْلِيلَ لِكُلِّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً لَهُ مِنْ الْمَنْظُومِ وَالْمَفْهُومِ جَمِيعًا فَيَكُونُ بِالنَّصِّ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَنْ كُلِّ دَمِ عِرْقٍ يَنْفَجِرُ أَيْ بِسَيْلٍ وَبِالْحَالِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ وَسُقُوطَ الصَّلَاةِ لَا يَتَعَلَّقَانِ بِدَمِ الْعِرْقِ بَلْ بِدَمِ الرَّحِمِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ، وَلَا يَذْهَبْنَ بِك الْوَهْمُ فِي قَوْلِهِ وَصْفًا عَارِضًا وَاسْمًا إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ لِصِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْعَارِضِ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا صَحِيحٌ، وَلِهَذَا ذَكَرَ بَعْدَهُ وَصْفَ الْكَيْلِ مُنْفَرِدًا بِدُونِ ذِكْرِ الِاسْمِ وَقَدْ صَرَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِذِكْرِ أَوْ مَكَانِ الْوَاوِ فَقَالَ: وَقَدْ يَكُونُ وَصْفًا عَارِضًا أَوْ اسْمًا وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي التَّقْوِيمِ أَيْضًا فَقِيلَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لَازِمًا، أَوْ عَارِضًا أَوْ اسْمًا أَوْ حُكْمًا إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْوَاوَ.
وَلِأَنَّ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَا بُدَّ لِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ تَفْصِيلًا وَاخْتِلَافًا فِي هَذَا الْفَصْلِ فَقَالَ إنَّ الِاسْمَ إذَا جُعِلَ عِلَّةً فَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنْ فِعْلٍ كَالضَّارِبِ وَالْقَاتِلِ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ عِلَّةً؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ عِلَلًا فِي الْأَحْكَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَقًّا بِأَنْ كَانَ عَلَمًا كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ وَجَوَازِ انْتِقَالِهِ، وَإِنَّمَا يُوضَعُ مَوْضِعَ الْإِشَارَةِ وَلَيْسَتْ الْإِشَارَةُ بِعِلَّةٍ فَكَذَا الِاسْمُ الْقَائِمُ مَقَامَهَا وَإِنْ كَانَ اسْمُ جِنْسٍ كَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْبَعِيرِ وَالْفَرَسِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِهِ لِلُزُومِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْأَسَامِي يُشْبِهُ التَّعْلِيلَ بِالطَّرْدِ وَهُوَ فَاسِدٌ بِخِلَافِ الْأَسَامِي الْمُشْتَقَّةِ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ فِيهَا لِمَوْضِعِ الِاشْتِقَاقِ لَا بِنَفْسِ الِاسْمِ (فَإِنْ قِيلَ) مَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيلِ بِاسْمِ الدَّمِ وَبَيْنَ التَّعْلِيلِ بِاسْمِ الْخَمْرِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ؟ قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ التَّعْلِيلَ هُنَاكَ لِتَعْدِيَةِ اسْمِ الْخَمْرِ إلَى النَّبِيذِ ثُمَّ تَرْتِيبِ الْحُرْمَةِ عَلَى الِاسْمِ فَيَكُونُ قِيَاسًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute